صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يصف الزعيم الألماني السابق أدولف هتلر في مذكراته، وضع المجتمع الألماني، قبل الحرب العالمية الثانية كما يلي وأقتبس :
” من أعراض التفسخ والانحلال التي ظهرت على الدولة الألمانية قبل الحرب، انعدام السجايا التي كان يتحلى بها آباؤنا وأجدادنا، فقد توارى الحزم والإقدام والشجاعة الأدبية وكِبَر النفس، ليحل محلها التراخي والتردد والجبن والزلفى. ولا ريب في أن أساليب التربية هي المسؤولة عن هذا التفسخ الخُلقي، لأنها أغفلت تقوية شخصية الفرد وجوهرتها، لتحشو دماغه بالمعرفة.
وكانت عيوبنا الخُلقية تتجلى أكثر ما تتجلى، في مسلك رجالاتنا حيال الإمبراطور. فكل ما ينطق به صاحب الجلالة هو قول منزل لا يقبل الجدل. وهذه الزلفى هي التي أطاحت بألمانيا ولم توفر العرش. فلو قُيض للإمبراطور رجل دولة من وزن بسمرك، يقول له لا، لما كان لنا اليوم أن نلوم إلاّ القدر على العبث بمقدرات أمتنا، ولجاز لنا أن نحمّل سوء الطالع تبعة ما حل بنا.
إن الذين يحيطون بصاحب العرش هم في كل عصر ومصر عالة على العرش، يستأثرون بعطاياه، ويذهبون في تظاهرهم بالولاء له إلى حدّ تسمية أنفسهم ( الملكيين ) تمييزا لهم عن سائر الرعايا. ولكن ما أن تنزل بولي النعمة نازلة حتى تجدهم في طليعة الناقمين عليه، الكافرين بنعمته، المحرّضين على الاقتصاص منه. وهل يُرجى من المتزلفين الزاحفين على الركب أن يفتدوا ولي النعمة بأرواحهم ؟
إن المخلص الحقيقي للمتربع على العرش، هو من يبذل لجلالته النصح وينبهه إلى مواطن الزلل، ويعمل جاهدا في سبيل إنقاذ الملكية مما قد تتعرض له من جراء تصرفات الملك أو الإمبراطور، ذلك أن قيمة هذه المؤسسة لا ترتكز على شخص من يمثلها، فليس أندر من أرباب التيجان المتحلين بالحكمة وبعد النظر، والسماء وحدها هي التي تقرر وضع التاج على مفرق بطل عبقري كفردريك الكبير، أو رجل متزن كغليوم الأول.
ولكن هذه النعمة لا تهبط من السماء إلاّ مرة في كل مئة عام. فالذين يُصْدقون صاحب العرش القول ويخلصون له النصح ويحاربون فيه الخفّة والطيش وقصر النظر، إنما يخدمون الملكية نفسها ويجنبونها المزالق الخطرة. ما أقل الملوك الذين أدركوا هذه الحقيقة، وما أكثر من ذهب منهم ضحية جهله إياها . . ! “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق : عند التمعن بما ورد أعلاه، سنجد أن مواصفات مجتمعنا هذه الأيام، تجسّد بعضا من مواصفات المجتمع الألماني في ذلك الزمان. ولكن ألا يشكل هذا الكلام للزعيم الألماني خارطة طريق لزعماء اليوم، في محاربة المنافقين والمتزلّفين، بطانة السوء ( YES MEN (، وتدعو الحكام للاعتماد على الناصحين الحقيقيين، خدمة لهم وللوطن والشعب ؟
يُقال بأن ” التاريخ يكتبه المنتصرون “، ولأن هتلر كان مهزوما في نهاية الحرب العالمية الثانية، رحنا نقرأ لمعظم المؤرخين ووسائل الإعلام عن سيئاته وجرائمه، متناسين فلسفته في الحكم وإخلاصه لوطنه، وأسلوبه في بناء الدولة الحديثة، وحربه على الفاسدين في المجتمع الألماني. ولو كان هتلر منتصرا لسمعنا الكثير من عبارات المدح والتبجيل التي تشيد بإنجازاته والتغاضي عن أية جرائم ارتكبها.
صحيح أن الأمور تقاس بخواتيمها، ولكن هذا يجب أن لا يغمض عيوننا عن الجوانب الإيجابية، في أدائه أو أداء أي زعيم في العالم، إنصافا للتاريخ . . !
التاريخ : 26 / 5 / 2020