صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
جلست بجانبه إمرأة مسنة في الطائرة في رحلة عودته إلى بلده، وبعد وقت قصير قامت المضيفات بتقديم وجبات الطعام للمسافرين ومع كل وجبه كان هناك قطعة حلوى بيضاء اللون، عندما شاهدتها المرأة المسنة أخذت تتناولها بيدها مع قطعة من الخبز معتقدة أنها من أنواع الجبنة البيضاء.
وبعد لحظات إكتشفت المرأة أن ما تتناوله حلوى وليست جبنة فشعرت بإحراج شديد من الرجل الذي بجانبها، تظاهر الرجل أنه لم ير شيئاً مما حصل، وبعد لحظات قليلة قام بفتح قطعة الحلوى الخاصة به وقام بما قامت به المرأة المسنة تماماً، عندها ضحكت المرأة فقال لها: سامحك الله يا خالة لماذا لم تخبريني أنها حلوى وليست جبنة، فأجابته: وأنا أيضاً إعتقدت أنها جبنة مثلك تماماً يا بني.
كان يعرف الرجل بالتأكيد أنها ليست قطعة من الجبنة، كما كان يعرف أنها مجرد رحلة وستنتهي، وأنها مجرد إمرأة بسيطة لم يرغب أن يشعرها بتقدمها بالسن وضعف بصرها، لكنه جبر الخواطر !
كثيرون تابعوا مباريات منتخبنا الأردني في نهائيات كأس آسيا الأخيرة، وذلك العامل الذي تابع مباراة المنتخب الأولى من وراء زجاج أحد المقاهي، وكيف كان رد فعل ملك البلاد وولي عهده باستضافته في القصر الملكي لحضور المباراة الثانية معهما في لفتة كريمة تجبر خاطر ذلك العامل، وما أجمل مثل هذه اللفتات عندما تكون من سيد القوم وكبيرهم والذي ينظر له كقدوة في كل مجتمع.
يقول أحدهم، لم أنجح في الحصول على عمل مناسب برغم حصولي على الشهادة الجامعية فقررت المبادرة بفتح محلاً للفول بدلاً من الجلوس بلا عمل، كنت أستيقظ فجراً لفتح المحل وتحضير ما أبيعه، وذات يوم لم أتمكن من بيع شئ حتى وقت العصر، جاءتني سيدة عجوز أعرف أن لديها أيتاماً فجهزت لها حقيبة مليئة بالطعام وأعطيتها مبلغاً صغيراً من المال ثم رفعت وجهي للسماء وقلت: جبرت بخاطرها هي وأولادها لأجلك أنت يارب، جلست نصف ساعة بعدها على ذات الحال ثم تفاجئت بمجموعة من الناس لا أعرفهم يتجهون نحوي حتى إمتلأ المكان بهم وأنا متفاجأ وأحاول اللحاق على طلباتهم، ولم أكن أصدق كيف إنقلبت الحال في لحظات فقد كانت الحصيلة المالية التي عدت فيها للمنزل الأكبر بين كل الأيام السابقة، أحد الزبائن نظر إلى وقال: أعطني قليل من الملح جبر الله خاطرك، عندها تذكرت السيدة العجوز فضحكت للرجل وقلت له: هو قد جبر بخاطري بالفعل الحمد لله.
ويروي آخر وهو طبيب من أشهر الأطباء في بلده، كنت كلما ذهبت لمناسبة لابد وأن يستضيفوني لأحدثهم عن مواقف حصلت معي، وكان من بين هذه المواقف أنه قد تحدث معي يوماً عالم كبير في الدين لحجز موعد في العيادة، لكنني خجلت منه وقلت له: بل أنا من يحضر لك في منزلك يا شيخ، وبالفعل ذهبت له، وبعد الكشف والاطمئنان عليه نظرت إليه وسألته: أخبرني يا شيخ عن عبادة تقربني من الله سبحانه وتعالى خصوصاً أنني في أواخر عمري، نظر الشيخ إلي وقال: أخبرني ماذا تتوقع أنت هذه العبادة، قلت: الصلاة، أجابني الشيخ: لا، قلت: الصيام، قال الشيخ: لا، قلت: الحج، أجابني: لا، فسألته: وماذا إذن يا شيخ؟ عندها قال لي: هي من أعظم العبادات إن لم تكن أعظم عبادة نغفل عنها في كثير من الأوقات إنها عبادة “جبر الخاطر”.
إستغربت إجابته وسألته: وكيف ذلك، وماهو الدليل على هذا الكلام، فقال لي: هل هناك أسوأ من التكذيب بالدين والتشكيك به والسخرية منه، فقلت له: بالتأكيد لا، عندها أجابني الشيخ: إسمع إذن قول الله عزوجل في الآيات الأولى من سورة الماعون في القرآن الكريم: {{أرأيت الذي يكذب بالدين* فذلك الذي يدع اليتيم* ولا يحض على طعام المسكين}}، وأنظر إلى صفة من يكذب بالدين وأول ما يعرف به، ليس ترك الصلاة ولا الصيام ولا الحج، بل أنه يكسر بخاطر اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فيطرد الأيتام والمساكين ولا يجبر بخاطرهم !
من الجميل أن نعرف أن العبادات كالأبواب، الصلاه باب، الصيام باب، جبر الخواطر باب، فلنترك كل أبوابنا مفتوحة مع الخالق عزوجل فلا نعرف أي باب يمكن أن يكون سبباً في نجاتنا وسعادتنا، فحتى قطعة الطعام التي نضعها لقطة تائهة في الشارع يمكن أن تكون سبباً في إنقاذنا من العذاب، تماماً مثل الكلمة الطيبة التي نقولها لانسان ربما يكون في أشد الاشتياق لسماعها بينما لا تكلفنا نحن من المجهود شئ، وصدق من قال: من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله فى جوف المخاطر، فلنجبر الخواطر لعل الله يبعث لنا نحن أو من نحب من يجبر بخواطرنا في لحظة نكون في أمس الحاجة فيها إلى ذلك.