الحباشنة : المعلمون.. النقابة والدولة

29 يوليو 2020
الحباشنة : المعلمون.. النقابة والدولة

صراحة نيوز – بقلم المهندس سمير الحباشنة

في ذروة الربيع العربي جاءت حكومة الأخ معروف البخيت، وكنت ضمن تشكيلتها، جاءت بمهمة وطنية، على قاعدة التعامل الهادئ والإيجابي مع الربيع العربي ومخرجاته، وتهدئة الحركات الشعبية والإبتعاد عن توتير الشارع. تهدئة بمضامين اصلاحية حقيقية، لسد الفجوة باشتقاقاتها السياسية والاقتصادية والإجتماعية، التي تباعد بين الحكومة ومتطلبات الأردنيين بقطاعاتهم واحتياجاتهم على اختلافها. بمعنى جاءت الحكومة وفي ذهن الدولة ترميم كل ما علق بالمشهد العام من أخطاء وتجاوزات.

وقد تلاقت قناعة رئيس الوزراء والعديد من الزملاء الوزراء وبمساندة واضحة للمراجع العليا للدولة، أن تكون باكورة نشاطات الحكومة، منح المعلمين حقهم بتأسيس نقابة. وبالفعل قام رئيس الوزراء بتشكيل لجنة وزارية لهذه الغاية مني ومن الأخوين الاستاذ طاهر العدوان وزير الإعلام، وتيسير النعيمي وزير التربية والتعليم. حيث التقت اللجنة الوزارية، مع وفد المعلمين في رئاسة الوزراء وبحضور كامل اعضاء لجنتهم التحضيرية التي يزيد عددها على ثلاثين معلما ومعلمة. وقبل ان يتحدثوا ويعرضوا مطلبهم قمت بإعلامهم موافقة الحكومة على تأسيس نقابة للمعلمين، وطلبت منهم ان يلتقوا في اليوم التالي، مع وزير التربية والتعليم وطاقم الوزارة الإداري والقانوني لوضع مسودة القانون الخاص بنقابة المعلمين تمهيدا للسير به بمراحله الدستورية.

فُوجئ المعلمون بقرار الحكومة بل وقرار الدولة الواضح والشفاف بتأسيس النقابة، حتى انهم كادوا لا يصدقون ان يُتخذ هذا القرار المطلب التاريخي لهم، بهذه السهولة والسرعة. وبالفعل فقد تم ذلك وبزمن قياسي حيث خرجت النقابة الى النور، فأقر القانون من مجلس الوزراء ومن البرلمان ووشح بإرادة جلالة الملك..

قانون نقابة المعلمين كان نتاجا لتوفر الإرادة السياسية العليا ممثلة بجلالة الملك واستجابة الحكومة والمؤسسات التشريعية الى طلب طالما تمناه المعلمون وعملوا من أجله..

-2-
وبالفعل بدأت النقابة نشاطاتها ممثلة لقطاع هو الأكبر والأهم، و كنا سعداء بهذا القرار لأنه يحاكي رغبة كامنة ومطالبة طويلة لقطاع المعلمين، حيث ما زلت حتى الآن اعتقد أن للمعلم الحق أن يكون في وضعٍ معيشيٍ ممتاز، يتماشى مع دوره الذي ربما يكون الأهم
الى جانب دور ابنائنا في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ان لمهنة التعليم مكانة ودورا اجتماعيا وتنمويا وتربويا وثقافيا وانسانيا، لاترتقي اليه اي مهنة أخرى.

إذن فإن تأسيس نقابة المعلمين جاء في لحظة تلاقت بها إرادة الدولة العليا ومؤسساتها مع طموحات المعلمين، بأن يكون لهم أطارهم الخاص ليمثلهم ويعبر عن تطلعاتهم ويرعى مصالحهم، وان يكونوا بنفس الوقت طرفاً فاعلاً وإيجابياً في تطوير العملية التعليمية والتربوية، وان تكون النقابة ومنتسبوها أُنموذجا للانتماء الى الدولة والدفاع عن وجودها ورعاية مصالحها وان تكون الدولة إلى جانبهم ويكونوا هم كذلك إلى جانبها، وخصوصاً في الأوقات العصيبة والاستثنائية.

اليوم أيها السادة المعلمون، لديكم نقابة راسخة حققت لكم من الإنجازات الكثير على طريق تحسين وضع المعلم، إضافة الى اشغالكم مساحة معقولة في رسم معالم العملية التربوية والتعليمية المأمولة، لتحاكي متطلبات واحتياجات الدولة، وطموحها
بالتطور والنماء.

3-
الدولة اليوم أيها الإخوة المعلمون، تمر بظرف استثنائي، أدى إلى شح كبير في أموال الخزانة العامة، وبعجز متوقع لهذا العام يمكن أن يزيد على الملياري دينار، وهو الذي ترتب على الوباء «كورونا»، الذي عطل عجلة الاقتصاد عن الدوران. اليوم مطلوب من الدولة
اموال لمجابهة الجائحة، والتخفيف من اثارها الاجتماعية والمعيشية التي اصابت مئات الألوف من المواطنين الأكثر فقراً وحاجة، إضافة إلى تحفيز القطاعات الإنتاجية والخدمية لتعويض ما تم من خسارته.

وإنه حال استثنائي على الجميع الإسهام في تجاوزه، وهو أمر يتطلب وبالالحاح أن يتداعى الجميع ومن باب النداء والواجب الوطني، وفي كل القطاعات الاقتصادية والخدمية في «القطاع العام والخاص»، أن تضع كتفاً، فتتضافر الجهود وننتصر لدولتنا ونعمل جميعاً على دحر الوباء بصورة نهائية. فيعاد العمل بعد ذلك بأنظمة الدولة ويعاد منح الامتيازات والعلاوات لكل القطاعات وأولها قطاع المعلمين، وخصوصاً بأن الحكومه قد وعدت بأن تلك العلاوات والامتيازات سوف تستأنف في بداية العام القادم.

إذن أيها الأخوة المعلمون لا يجب ان تبدو مطالبكم وكأنها خارجة عن السياق العام للدولة ومصالحها، وكأن النقابة بسلوكها الأخير تبدو وكأنها خارج البلد، او تحمل اجندات لا تتفق مع الأجندة الوطنية العامة.

إننا أيها الإخوة المعلمون، أمام حدث كبير يتطلب منا أن نستوعب تأجيل صرف بعض العلاوات والامتيازات مساندة للدولة لمجابهة الوضع الاستثنائي الذي ترتب على الجائحة، حتى تعود الأمور الى ما كانت علية بالسابق..

– 4 –
لقد نجحت الدولة إلى حد بعيد في تجنيب البلاد خطر هذا الوباء، وأهم ما يمكن ان نساهم به إلى جانب التزامنا بيروتكول الحماية المعلن أن نُسهم، وأن نأتي على أنفسنا قليلاً ولأشهر معدودات، حتى تعود الأمور الى طبيعتها. وتذكروا أن إخوانكم وأخواتكم
في القطاعات غير الحكومية قد انخفضت رواتبهم بين 50 و70 %وان بقية العاملين في القطاع العام قد حجبت عنهم كذلك الامتيازات والعلاوات كما حجبت عنكم، بل وان الكثير من منتسبي القطاع الخاص ممن فقدوا وظائفهم خصوصاً عمال المياومة، الذين يقدر عددهم بثلاثمئة الف هم بحاجة الى دعم ليحافظوا على أدنى متطلبات الحياة… إن
وضع المعلم وبقية المنتسبين إلى القطاع العام هم الأقل تضرراً في النهاية لذا أنا أستغرب الخطاب الذي تفوه به بعض قادة النقابة وتعرضهم إلى الدولة وادعاؤهم بأنهم أكبر منها..! إنه كلام لا يليق بممثلي قطاع المعرفة والانتماء، فالمعلم كما ذكرت هو
جندي بالداخل، جندي يمثل القدوة الحسنة لا يغلب مصالحه الخاصة على مصلحة الدولة.

وبعد.. إن النقابة هي ملك للمعلمين كافة تعبر عن مصالحهم وطموحاتهم، كما أنها إطار وطني عام ليست ملكاً لأي فصيل أو اتجاه بعينه، وأني اتمنى على المعلمين وقفة مراجعة وتأمل تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح.

واالله والوطن من وراء القصد..

الاخبار العاجلة