صراحة نيوز – بقلم فارس الحباشنة
يبدو أنها الحرب الصعبة والمستحيلة بين واشنطن وطهران. من السيناريوهات المطروحة استبعاد الحرب، ورغم ان مسرح المنطقة لم يغادره لهيب اخطارها ومخاوفها المشتعلة بالبوارج والتصعيد العسكري الامريكي، والحصار الاقتصادي المطبق على طهران. الانسحاب نحو مربع التهدئة لربما يسير على أرضية رخوة، وأكثر ما يبدو أنه من الصعب توقع مسارات الحوادث والتطورات المقبلة.
ما بين وصول التصعيد بين واشنطن وطهران الى تخوم الحرب، والنزول الى حد التهدئة باسرع مما هو متوقع. فثمة اسئلة كثيرة تطرح في أفق الازمة وانعكاساتها، والى أين تمضي ؟ ولربما أن الأمر يعود الى حالة الانفصام والازدواجية والتضارب في القرار الاستراتيجي الامريكي، الحرب واللاحرب، والتيارات المتناقضة في ادارة الازمة.
وهناك تيار يحمل رواية، تروج لخنق النظام الايراني، وحصاره وتصعيد العقوبات الاقتصادية والمالية، والسعى نحو تصفير تصدير النفط، وما يمثل نحو 35 % من الدخل القومي الايراني. والادارة الامريكية وعلى لسان ترامب قالت بانها تستهدف تهذيب سلوك النظام الايراني لا اسقاطه، واعادته الى بيت الطاعة، وهناك فارق بين التهذيب والاسقاط، وما يعني تقويض دور ايران الاقليمي.
واما التيار الثاني، فهو يروج لرواية العمل العسكري لتحقيق اهداف واشنطن التي عجزت عن الوصول اليها بالعمل السياسي. ولكن، هل يتقبل الامريكون خوض حرب جديدة ؟ وهل يقدر حملة هذه الرواية اقناع وتطويع مراكز صناعة القرار الامريكية الكونغرس والبنتاجون والمخابرات بالحل العسكري ؟
لربما أن الرواية الاولى هي الاكثر فعالية، وتحمل ما لا بأس به من محاولات لوضع الازمة الايرانية على قياسيات بارومتير الحسابات الاقليمية الاوسع، ومداها من مجموع صراعات وازمات الشرق الاوسط. ومحاولة لاعادة ايران لما قبل 79، الثورة الاسلامية. وتقطيع أوصال خطوط اشتباكها ووصلها مع الاقليم المنكوب والمفتوح على حرب وأزمات لا متناهية.
و الرئيس الامريكي ترامب قال : لا نريد حربا مع ايران ولا نريد أن نتخذ أي خطة. وهي تصريحات تدافعت على ألسنة مسؤولين كبار في الادارة الامريكية، يستبعدون سيناريو الحرب ضد طهران. وهي رسائل لربما ذهبت لأبعد مما تحمله تساؤلات حول المدى المنظور الذي تذهب اليه واشنطن في حربها التصعيدية ضد طهران.
وما دامت واشنطن تفكر هكذا، فلماذا التصعيد إذن؟ لربما أن التصعيد العكسري دون الوصول الى خيار الاصطدام العكسري المباشر يعني اندفاعا نحو التهدئة السياسية، ومن دون خطة ومشروع سياسي لتثبيت التهدئة، ومشروع سياسي للسلام. وكما تابعنا فان وساطات انطلقت نحو واشنطن وطهران تدعو الى فتح قنوات اتصال، والرئيس ترامب كان قد أشار في تغريدة بانه اودع رقمه لدى السفارة السويسرية في طهران ليستقبل اتصالات الايرانيين، تغريدة مشفرة حملت رسائل بوجهين : أنه لم يطلب تفاوضا، وأنه لا يمانع من فتح اتصالات مع الايرانيين، ولربما أن المشكلة تبقى في موضوع وعناوين التفاوض التي مازالت قيد التقدير سياسيا .
ومهما حاولت تقليب الازمة الايرانية فلا يمكن قراءتها بعيدا عن صفقة القرن التي حولت القضية الفلسطينية الى محض مشروعات خدماتية واستثمارية وعقارية، تجهض التحرر والاستقلال والمقاومة و بناء الدولة الوطنية، واستعادة الحقوق الوطنية والتاريخية والشرعية، وما يتخطى الرواية الامريكية لاعادة ايران لما قبل 79، الدولة الصديقة لاسرائيل وحليفها الاول في الشرق الاوسط ورجل أمن الاقليم.
وما بين سيناريو الحرب واللاحرب، والتهدئة وتثبيت قواعد اشتباك جديدة، فان المنطقة مقبلة على تحولات كبرى، والخاسر الاول ولربما الأوحد هم العرب، حيث يجري استبدال رايات العدو ليكون ايرانيا بدل اسرائيل ، وهذا من اسوأ التبعات وملاحق الازمة الايرانية.