الحباشنة عن التسامح و الكراهية وحوار الأديان

1 ديسمبر 2020
الحباشنة عن التسامح و الكراهية وحوار الأديان

صراحة نيوز – بقلم م سمير الحباشنة

(1)

عقد منتدى الفكر العربي الأسبوع الفائت حواراً إلكترونياً، تحدث فيه المفكر العربي المبدع الخلاق الصديق د. عبد الحسين شعبان، وعرض رؤيته التي أصدرها بكتاب حول «التسامح»، كمفهوم وكمطلب مُلح لابد من تحقيق بنوده ومفاهيمه ومضامينه على أرض الواقع، مقدمة لصحوة عربية تتركز على أسس غير قابلة للهدم كما هي الأسس التي أعتمدها الفكر العربي السياسي منذ أن أنتهت فترة الاستقلالات الوطنية لأقطارنا، وما مرت به من تجارب أثبتت بأن الركائز التي أعتمدتها لم تكن جديرة بتحقيق طموح الإنسان العربي في أهدافه السامية والمشروعة.

(2)

وتقديري أن الركائز المطلوبة اليوم كأساس لأي نهوض عربي محتمل، لابد وأن تقرر بالممارسة وليس بالأُطر النظرية فقط، إن التسامح هو نقيض الكراهية، وأن الاختلاف الأيدولوجي أو العقدي أو المكاني أو العرقي لا يعني أبداً أن يدفع بالأفراد أو بالمجموعات أن تنحو نحو الكراهية للآخر.. و ما يترتب على الكراهية من تحولات مجتمعية مدمرة. تبدأ بالتنابز في الكلمة وتنتهي بحوار البنادق.. والانتصار بالآخر على الشقيق، ونرى ما رافق الكراهية «العربية المعاصرة» من دمار وقتل، ولجوء ونزوح للملايين في شتى أصقاع العالم والذي ما زلنا نشهده منذ أكثر من عشرات سنوات.. وما زال يتعمق يوماً بعد يوم.

وأن التسامح وحتى يصبح نهج حياة فإن النوايا الطيبة لا تكفي.. فالأمر يحتاج إلى مؤسسات قوية قادرة على ترسيخ التسامح كنهج حياة للمجتمع. لذى فإن الديمقراطية والمشاركة والقرارات المؤسسية ونبذ التسلط والفردانية والمفاهيم الشمولية للحكم، إنما هي نقاط ارتكاز من شأنها حماية التسامح كمضامين، بل وتعضيدهُ بالأدوات المؤسسية اللازمة إلى ذلك.. وأعني بناء حقيقيا لدولة القانون والمؤسسات وكل ما يترتب عليها من مفاهيم عدالة ومساواة وقبول بالآخر والغاء التمييز بشتى أشكاله على أساس ديني أو مذهبي /طائفي /مناطقي /عرقي.

(3)

واعتقادي أن «حوار الأديان» بحلتهِ الراهنة ليس أكثر من شعار بلا مضمون.. فالمؤسسات الدينية أو المدنية المعنية.. تُدير حوارات منذ عقود..

فماذا كانت النتيجة التي ترتبت على تلك الحوارات؟ والجواب لا شيء، بل العكس، ففي ظل ذلك الحوار «البروتوكولي» تعمقت روح الكراهية الدينية والطائفية والمذهبية، ليس على المستوى العربي فحسب بل وعلى المستوى الإنساني، وإن ما يجري من أحداث مأساوية في الهند وبنغلادش وسيريلانكا وبورما، شواهد على فشل ذريع لمبدأ حوار الأديان وآلياته.

إن البديل لمفهوم الحوار الديني.. هو مبدأ قبول الآخر والاعتراف به، دون أن يكون الحق لأي طرف أن يتدخل في عقيدة الآخر، محاولاً تغييرها أو نقدها أو حتى الإساءة لها..

فالتقارب بين الأديان عبر منظومة «الحوار» لن تجدي نفعاً، فالإسلام له ثوابته التي تميزه عن بقية الأديان.. وإن كان يعترف بالأديان السماوية الأخرى. كما أن للمسيحية ثوابتها الخاصة بها أيضاً. تعترف ببعض الأديان ولا تعترف بغيرها..

واليهودية أيضاً لها ثوابتها الخاصة حيث لا تعترف بالمطلق بأي من الأديان السماوية الأخرى.. عدا الهندوس والبوذ والسيخ وغيرها من مئات الملل التي لا يعترف أي منها بالآخر. ونشهد فيما بينهم على الدوام تعبيرات كراهية لا تخلو من خشونة وعنف.

وإذا ذهبنا إلى مستوى أقل داخل العقيدة الواحدة، فإننا نرى الشيعة لهم ثوابت ومفاهيم تختلف عن مفاهيم السُنة. وحتى داخل الشيعة هناك مرجعيات متعددة وداخل السنة مذاهب متعددة أيضاً.

وإن ذهبنا للمسيحية فالحال لا يختلف، فلكل طائفة مفاهيمها وطقوسها الخاصة بها..

وعليه فإن مبدأ حوار الأديان.. لم يُجد نفعاً ولم يُقارب بين عناصر هذه الشبكة المركبة بخيوطها المتشابكة المتناقضة والمختلفة.

(4)

المطلوب اليوم.. عقد تاريخي عقدي، بإقرار كل طرف بوجود الآخر واحترام عقيدتهِ، دون التدخل في مفاهيمه وطقوسه أو التأثير عليها لا بالكلمة ولا بغيرها..

أننا نحتاج وكما قال د. عبد الحسين شعبان إلى «وست فاليا» عربية تُحقق مفاهيم العدالة والمساواة واحترام الآخر وتُصبح المواطنة هي أساس التعامل الوحيد مع الأفراد والجماعات.

وتذكروا أننا «ولدنا» ولم يختْر أي منا دينه أو ملته.. فالله سبحانه أراد التعددية للبشر.

فهل نحول التعددية إلى تنوع؟ فنلتحق بركب الأمم المتقدمة أم نُغرق التعددية في أجواء الكراهية.. فتتحول إلى خلاف وما يترتب على الخلاف من دمار. هو ما نشهده اليوم في أصقاع أمتنا الشاسعة.

والله ومصلحة العرب من وراء القصد

الاخبار العاجلة