كلما التقى جلالة الملك رئيسا امريكيا او زعيما غربيا او خاطب مؤتمرا او محفلا دوليا سادت حالة من الاعجاب ورفع الرؤوس والهامات ليس اردنيا فحسب بل عربيا ايضا وغربيا للغة التي يخاطب فيها الملك العالم وفهمه العميق لحاجات المنطقة وتشخيصه الدقيق لمشكلاتها واعطاءه الوصفة المثلى للحل وهو ما شاهدناه في لقاء الملك / ترامب الاخير الذي اخذ اعجابا لم يسبق له مثيل وكأن الشعب الاردني والعربي يتعرف للتو على الملك.
كان يقال في الماضي ان اسرائيل لا ترغب دوما بترك الملك الراحل يتحدث على انفراد مع الساسة الامريكان والغرب لانه في اربعين دقيقة يقلب السحر على الساحر ويغير وجهة نظر من يقف قبالته ولهذا كانوا يحرصون على اللقاءات قبل وبعد لقاءاته حتى لايبقى تاثيره مستمرا.. لكننا نلحظ كما يقول محللون غربيون ان الملك عبدالله الثاني اسرع في توصيل وجهة نظره وفهمه للغرب والحديث معهم فيقلب وجهة نظرهم بصورة اسرع واخطر دون المساس بالطرف الاخر وبحنكة تدرس في الجامعات والمعاهد لأثرها على المستقبل (بكسر الباء) وهو ما شاهدناه في لقاءه مع ترامب الشخصية الاكثر تقلبا ومزاجا صعبا تمكن الملك منه بلطف ووضوح وجرأة وادب لا مثيل لها.
اسوقفنا كثيرا هذا الغزل السياسي من قبل الرئيس الامريكي تجاه الملك الذي رافقته جلالة الملكة وهي خطوة في غاية الذكاء اذ يقدم جلالته الملكة ليس كونها زوجة رئيس البلاد بل الوجه العربي المشرق المحافظ الانيق الذي يسلب العقول بخفة الظل والتواضع والعلم والدراية والفقه السياسي والاجتماعي الذي لانجده الا في الاردن من بين زعامات العالم العربي المحافظ صوريا، ومدى تقديم صورة عن المراة العربية المسلمة المثقفة التي تخاطب العالم باقتدار وتقف سيدة اولى اكثر شموخا امام السيدة الاولى للعالم بقوة شخصية واعتدال وكبرياء قل نظيره.
واستوقفني التصفيق الذي نفذه الصحفيون اكرر الصحفيون بعدما انهى جلالة الملك خطابه امامهم في حديقة البيت الابيض وهي لاتحدث ربما بمؤتمر صحفي يصفق في العادة الجمهور لخطاب وليس الصحفيون الذين نسوا انفسهم وشدهم كلام الملك المفعم بالايجابية والامل فاصبحوا نظارة وليس كماهم فيه..
كان الرئيس الاميركي يلقي كلماته امام الملك مكتوبة ليحافظ على وقارة وانتقاءه للكلمات لزعيم الاردن ورئيس القمة العربية الذي نقل بامانة وجهة النظر العربية الى واشنطن وحذرها من التطرف ووضع بين يديها المرض ووصفة العلاج بكل اريحية وقلب مفتوح نال بالضرورة احترام كل منصف استمع لخطابه ومدى تغييره لافكار الرئيس وها هو يقول بكل تواضع في مقابلته مع الواشنطن بوست ‘أعتقد أن هناك مبالغة في حجم الأثر الذي تركته، فهناك من يقول أنه كان لي دور في ذلك، ولكنني لا أعلم حقيقة إن كنت أنا السبب في ذلك، فأنا عبّرت عن آرائي فقط’.. وهي بالمناسبة من اهم مقابلات الملك الصحفية منذ فترة بعيدة لشموليتها واقوال الملك الصريحة في عدة مواقع ومفاصل.
انظروا الى ما يجيب عنه الملك في الامر السوري والرئيس السوري بشار الاسد وموقف الرئيس الروسي بوتين والارهاب والى اي مدى يؤثر خطر داعش على الاردن وايران والشيعة واجابته الذكية نحو الحوثيين والشباب المنتمي للتنظيم الذي يحب الملك ان يطلق عليه ب’الخوارج’..
‘إذا لم نتمكن من إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، حيث نجد أن جزءا كبيرا من أولئك (يقصد المنتمون لداعش) هم من أصول فلسطينية’.. ‘المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد’.. ‘إذا كانت الدول الأوروبية تواجه خطر المقاتلين الأجانب، فإن روسيا تواجه هذا الخطر بعشرة أضعاف ..’..’ الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كيلومتراً تقريباً (في جنوب سوريا). وإذا كانت الأخبار غير جيدة بالنسبة لنا، عليكِ أن تأخذي أيضا المعادلة الإسرائيلية في الحسبان’… ‘سيكون لي لقاء مع قادة من السنة والشيعة والأكراد في المستقبل القريب، لنتمكن من خلق أجواء مناسبة لتحقيق المصالحة’…’مصدر القلق الذي أرقني على مدار 5-6 سنوات الماضية هو الوضع الاقتصادي، وليس الوضع السياسي أو العسكري أو الأمني. إنني أحاول جهدي لتحقيق نمو اقتصادي والاهتمام بشعبي’… (هذا ملخص مهم جدا لكلام الملك مع الصحفية الامريكية لابد من التوقف عنده كثيرا لما احتواه من تصريح دقيق وجريء بثقة ودقة في الوصف والتشخيص…
منذ لقاء الملك الاول في افطار البيت الابيض قبل شهر ولقاء جلالته الثاني الاهم والابرز في واشنطن ومقابلة الصحيفة الابرز بالولايات المتحدة الاميركية هناك الف عنوان وعنوان يمكن تناولها وغابت بكل اسف عن محللينا اما بسبب عدم سنح الفرصة لهم او لانهم يجدون في مشكلاتهم فرصة افضل من التحليل والتمحص في الذي يفعله مليكهم من اجل بلدهم بشموخ وعلم اراه مادة مهمة للتدريس في الجامعات والمدارس لادب الحوار ورقيه وعمقه واختياره للكلمات والمعاني باقصر الطرق واختصارها..
جلالة الملك يكفينا انك ترفع رؤوسنا يوما بعد يوم فامض دون ان تنظر خلفك، فكلنا خلف فكرك النير وارادتك القوية ونستمد من عزيمتك الصبر والامل..
سمير الحياري