الدكتور الربضي يُفنِّد شرعيّة المستوطنات الإسرائيليّة

21 نوفمبر 2019
الدكتور الربضي يُفنِّد شرعيّة المستوطنات الإسرائيليّة

صراحة نيوز – بقلم الدكتور ايليا الربضي

كلية القانون – جامعة اليرموك

أولًا وقبل بادئ ذي بدء , أود التنويه إلى أنّ ما يتداولهُ الكثير من القانونيّين والسياسيّين والمسؤولين في مراكز صنع القرار بقولهم “مستوطنات إسرائيليّة” , هو خطأ جسيم لا بل خطأ كارثيّ لا يُحمَّدُ عُقباه لا في الإطار القانوني ولا حتى السياسي , فهي تُسمى بالمُستعمرات وليس المستوطنات فالأَولى تأتي من الإستعمار (Colonialism) القائم على غصب الحق من مالكه الحقيقي , وسيطرة جماعة  أو جهة على دَوْلة أخرى وإسْتِغْلالها من خلال فَرْض السِّيادة وبَسْط النُّفوذ العسكري والسِّياسيّ والاقْتِصادي عليها , أمّا الأخيرة (المستوطنات) (Settlement) فهي تتأتى من الإستيطان الشرعي لأماكن غير مأهولة بالسكان  والعمران البشريّ والأحقيّة في الوطن …
وما بين الأولى والأخيرة شتّان ؛ وفي هذا المقام فأنا أُحذِّر وبأشدِّ العبارات والوسائل كافة المسؤولين والسياسيّين الأردنيين وأخصُّ بالذكر المسؤولين في المراتب العليا في مركز صنع القرار حتى لا نعيد تكرار أخطاء التاريخ الماضي “THE”  !!!
     لقد تفاجأ جميعنا بعد مشاهدتنا بِكُلِّ أسفٍ وحزن إعلان الولايات المتحدة الأمريكيّة ممثلةً بوزير خارجيتها ، مايك بومبيو , “بأن واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عملًا يخالف قواعد القانون الدولي” , في تحولٍ خطير للسياسة الخارجية الأميركية ، ما يُشكِّلُ في مضامينه خطرًا على الأردن ، وضاربين بذلك وبذات الوقت كافة قرارات الشرعيّة الدوليّة وقواعد القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي ، وخاصةً قرار مجلس الأمن رقم “2334” والذي أكدَّ صراحةً على “عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي المحتلة مُنذُّ عام 1967 ، وطالبها بوقف الإستيطان في الضفة الغربية والقدس بإعتبارها أراضٍ محتلة” , ضاربين جميعها عرض الحائط دون أدنى إعتبارٍ منهم لها , تمهيدًا منهم لما يُعرف إعلاميًا بـــــ “صفقة القرن” ، ووسط سعيَّ إسرائيل للسيطرة وغصب منطقة غور الأردن ، وهذا ما كنّا قدّ حذرنّا منه صراحةً منذُّ أزودِّ من خمسة أشهر في أحدِّ مقالاتنا والموسومة بعنوان “بين الأصالةِ والخيانة .. العالم العربي إلى أين في ظل ما يُسمى بِــ {صفقة القرن}” .
     حيث أنه وحتى لحظةِ إعلان بومبيو ، كانت السياسة الأميركية –ولو قلنا نظريًا على أقل تقدير-كانت تعتمد في سياستها الخارجيّة على رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 مؤداهُ ومفادة ؛ بأن إقامة المستعمرات في الأراضي الفلسطينية يتعارض وقواعد القانون الدولي , وحيث إنَّ إسرائيل كانت تستغلّ تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق وفق إتفاق أوسلو الثاني لأحكام السيطرة على ما قُرابته 60% من أراضي الضفة الغربيّة والمُصنفة بحسب التصنيف (ج) الخاضع لسيطرتها الأمنيّة والإداريّة .
     إلّا أنَّ الإعلان الأميركي الحديث والذي يسعى لتوفير غطاءٍ سياسيٍ لإنتهاكات دولة الإحتلال المتصاعدة , لا يعدّو أنّ يوصف إلّا بالقفزِ والتكبُّرِ على مبادئ القانون الدولي الراسخة بما فيها معاهدة جنيف التي تُقِّر صراحةً “عدم أحقيِّة سلطة الإحتلال في نقل مواطنيها إلى أراضٍ تحتلها” ، كما وسأذهب في رأيِّ القانونيّ الخاص بي لما هو أبعد وأعمق من ذلك , من خلال تكييّفي لعمليات الإستيطان “الإستعمار” على أنها تُشكِّلُ صراحةً جرائم ضدَّ الإنسانيّة وجرائم حرب , وذلك من خلال نصوص المواد ؛ المادّة (7/1/د) وبدلالة نص المادّة (7/2/د) , والمواد (8/2/أ/4) , (8/2/أ/7) وبدلالة نص المادة (8/2/ب/8) والمادّة (8/2/ه/5) , من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدوليّة ؛ مع التأكيد في هذا المقام “في حال توفر شروط الإختصاص والمسائلة الجنائية” .
     ولعلَّ المُتتبعَ للشأن الدوليّ والقارئ لما بين السطور في السياسات الخارجيّة للدولِ يرى بصريح العبارة ودلالة الفعل بأن الإعلان الأمريكيّ الذي إعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عملًا “لا” يخالف قواعد القانون الدولي ما هُوَّ إلّا تصرُّف ماديّ من أحد أقطاب القوى العالميّة لا يُرتب في مضامينهِ أيَّ أثرٍ قانونيّ وإن الهدف من ورائهِ هو توفير بطانة أمنيّة لحماية الكيان الإسرائيليّ من المسائلة الجنائية أمام {المحكمة الجنائية الدوليّة الموقّرة} , وذلك بعد تشبُّع مجلس الأمن من قرارات الفيتو التي كانت ولا زالت تستخدمها الولايات المتحدّة الأمريكية لحمايةِ طفلها المُدلّل إسرائيل , هذا من جانب …
ومن جانب آخر إبان صدور القرار القضائي من قبل {محكمة العدل الأوروبية الموقّرة} والذي نراهُ ربما بمثابةِ فصلٍ أخير في مُسلسلٍ قضائي إستمر منذُّ سنوات والذي جاء في بيّانهِ  على أنَّ “ذكر مصادر البضائع القادمة من الأراضي المُحتلّة من خلال وضع وسّم صريح يشير للمستهلك بأن هذه البضائع قادمة من “المستوطنات” هو أمرٌ إلزاميّ ، عملًا بالتشريعات ذات العلاقة ، لتفادي تظليل المستهلكين حول كون إسرائيل موجودة في الأراضي المعنيّة (المستعمرات) كقوة محتلة وليست ككيان سيِّد .”
      صحيحٌ أنّ القرار ذو طابعٍ تقنيٍّ وأخلاقيّ وإقتصاديّ بالنسبة للمحكمة وسيلحق بدورِّهِ الضرر بالكيان الإسرائيلي ككل , إلّا أنّ ما يعنينا كقانونييّن في هذا المقام , هو البعد القانوني والأهميّة الإستراتيجيّة والسياسيّة لهذا القرار إذّ إنَّهُ سيشكل سابقة قضائية وقانونيّة للتمييز بشكلٍ واضحٍ وصريح بين ما تعتبرّه الدول الأوروبية (إحتلالًا غير شرعيًا لأراضٍ ليست إسرائيليّة منذ عام 1967 , وما تعتبرّه أراضٍ إسرائيليّة) وذلك من خلال الإمازّة صراحةً وبالإشارة لكل منتج بين تلك المنتجات القادمة من إسرائيل أو تلك المنتجات القادمة من المستعمرات الإسرائيليّة , هذا من جانب , ومن جانب آخر قدّ يشكل هذا القرار سابقة قدّ تُستخدم أيضًا من قبل المنظمات المعنيّة , خارج إطار الإتحاد الأوروبي أمام المحاكم المحليّة كمصدر إسترشادي لوضع هذا الأمر (المقاطعة) حيّز التنفيذ في أكبر عدّدٍ ممكن من الدول .
     كما وما هو مؤكد هو خشيّة إسرائيل من أنّ يشكل هذا القرار في مضامينه من دافعٍ أو حافزٍ إضافيّ لتشجيعِ بعض الدول التي تعمل على مقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيليّة في الدول الأوروبية وغير الأوروبيّة كوّن أنها تَعتبر أن مجرد التعامل والإستيراد التجاري من الدول الأخرى مع هذه المستعمرات هو إسهام صريح في ديمومتها وتنميّتها , -بما يخالف أساسًا قواعد ومبادئ القانون الدولي- حسبما بينّا آنفًا .
     ختامًا , إنَّنا وإذّ نرى بالمستعمرات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة خرقًا صارخًا وجسيمًا لقواعد القانون الدولي ، كما ونعتبرها بمثابة إجراء سيؤدى بمقتضاة لعرقلة لا بل “لقتل” مشروع حلّ الدولتين ويقوِّض فُرص تحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسطي بشكلٍ خاص والعالم ككل بشكلٍ عام .وإنَّ موقف المملكة الأردنيّة الهاشميّة في إدانة المستعمرات هو أمرٌ راسخ وثابت على كافة المستويّات والأصعدّة ولا يدّعُ مجالًا للشكِّ أو المُزايدَّة من أيِّ جهة ، كما ولفتني أيضًا موقف العديد من الدول التي أرسّت موقفها بشكل صريح في مجلس الأمن كبريطانيا ، فرنسا ، ألمانيا , وغيرها من الدول ..
     إلّا أن هذا ومن الناحيّة العمليّة والتطبيقيّة لن يفيد بشيء -عمليًا- ، لأن الخطورة تكمن في هذا المقام من الموقف الأمريكي المُتذبذّب بصفتها هذه أحد قطبيّ القوى العالميّة للقرن الحادي والعشرين ، إذّ لا بُدّ من الحذر كُلّ الحذر إزّاء خطورة “الإنقلاب الأمريكي” -والشواهد التاريخيّة على الإنقلاب بالموقف الأمريكي على الدول العربيّة خاصةً كثيرة وأكثر من أنّ تُحصى- فالخطر يكمن في تداعيّات التغيير في الموقف الأمريكي إزاء هذه المستعمرات ، ما سينعكس بدورهِ على كل جهود تحقيق السلام في المنطقة وحلّ الدولتين. من جانب , وزيادّة  إسرائيل تعنتًا في التوسع وفرض مزيد من المستعمرات –غير الشرعيّة- ، التي تحول دون حصول الفلسطينيين على حقهم في تقرير مصيرهم من جانب آخر  !
حفظ الله أردننا الغالي والعزيزَّ على قلبي شعبًا وقيادةً في ظل حاملِّ الرايّة وأبنائهِ الأحرار .
الاخبار العاجلة