“إذا لم يقبلوا بشروطنا، يجب أن يتوقعوا أمطاراً من الخراب تأتيهم من الهواء، لم يراها أحد من قبل على هذه الأرض”.
“كنت أعرف ما أفعله عندما توقفت الحرب، لا أشعر بأي ألم وتحت نفس الظروف، كنت أود أن أفعلها مرة أخرى”.
كانت هذه الكلمات من الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعد قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان لوضع حد للحرب العالمية الثانية في العام 1945م، وكانت الولايات المتحدة تفكر في طريقة تنهي بها الحرب سريعاً خصوصاً بعد إستسلام الألمان وبقاء الجبهة اليابانية صامدة رافضة للاستسلام وكانت كل التوقعات الأمريكية تدلل على أن المزيد من الصمود في الجبهة اليابانية يعني المزيد من الضحايا بمئات آلالاف أو الملايين في الحرب التي سقط فيها حتى ذلك الوقت ما يزيد عن 70 مليون روح بشرية، فكان عندها القرار باستخدام قنبلة “الرجل البدين” المصنعة حديثاً “وقتها” لاسقاطها على أكثر المدن اليابانية أهمية وكسر عزيمة اليابانيين لإجبارهم على الاستسلام، وهو ما حصل بالفعل بعد التضحية بحوالي 250 ألف إنسان ياباني سقطوا بسقوط القنبلتين مباشرة.
ولا ندري لماذا خطرت كل هذه التفاصيل ببالنا بعد تزايد الأعمال الارهابية التي قام بها تنظيم داعش خلال الأشهر الماضية وإتساع رقعتها بين بلدان العالم، وكنا مع كل عملية نرجو الله أن لا يصل الرئيس الأمريكي الجديد “ترامب” فور تسلمه الرئاسة إلى قناعة سلفه “ترومان” قبل أكثر من 70 عاماً، ويقرر معاملة مدينتي الرقة والموصل تماماً مثلما تم التعامل مع هيروشيما وناجازاكي خصوصاً وأن قنبلة “الرجل البدين” الذرية تقدمت كثيراً عن تلك التي إخترعها ألبرت أنشتاين، وما يزيد المخاوف في هذا الاتجاه هو طلب الرئيس ترامب من وزارة الدفاع الأمريكية فور إستلام سلطاته وضع خطة لسحق تنظيم “داعش” بشكل نهائي، إضافة إلى ما نشر من أخبار في الشهر الماضي عن وصول حاملة الطائرات النووية “جورج بوش” إلى قاعدة كريت اليونانية في طريقها إلى مياه الخليج العربي، وإضافة لسر “الحقيبة السوداء” التي ترافق الرئيس الأمريكي أينما ذهب بحسب القوانين الرئاسية الأمريكية والتي بداخلها شفرة سرية خاصة بالنظام النووي الأمريكي، وهي التي تمنحه الحق بتنفيذ أي هجوم نووي عند وجود خطر يهدد الأمن القومي الأمريكي أينما تواجد في العالم، وهو ما لمحت إلى الخوف من اللجوء إليه المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون عندما تساءلت عن مستقبل السلاح النووي الأمريكي في حال فوز ترامب بالرئاسة معتبرة أنه شخصية مزاجية وغير مؤهلة لمسؤولية من هذا النوع، وكل هذا يزيد المخاوف من توجه الولايات المتحدة إلى عمليات من هذا النوع للتعامل مع خطر التنظيمات الارهابية وإن كان بعضها يسعى جاهداً لفتح أكبر عدد من الجبهات لتعزيز فكرة تواجده في كل مكان لا يتوقعه فيه أعدائه حتى ولو في داخل غرف نومهم.
وأي نظرة شمولية للأحداث في المنطقة العربية تجد أن الأمور تتجه للأسوأ ما لم يوضع حد سريع لها قبل أن تضطر الدول الكبرى للجوء لأسوأ الخيارات كتلك الذي ذكرناها في مقالتنا هنا، وقد كنا نردد منذ إندلاع الأحداث في سوريا تحديداً بوجوب وضع حد لأشكال الاجرام والتطرف والظلم الموجود هناك يومياً قبل أن ينتشر ويصبح كالالتهاب الذي لا حل معه سوى “الاستئصال”، وهو الذي تراه بائناً اليوم في تفاصيل المعارك في العراق وسوريا وغيرها من الجبهات التي أشعلتها أنظمة إستخدمت حتى الشياطين في ظلم شعوبها لتكون النتيجة ظهور وحوش بشرية أشعلت النيران وحقنت آلالاف النفوس بمزيج من الحقد والكراهية والطائفية.
والسؤال هنا على سبيل المثال لا الحصر ترى عندما إرتفعت أصوات حناجر بنات وأبناء سوريا الأحرار بالملايين هل كانت مشكلتهم عدم وجود خلافة إسلامية في بلادهم فقط، أم رفضهم لما تجذر في نظام بلادهم من أنواع الظلم والفساد ورفضاً لكل الظالمين بأي شكل تشكلوا وأي لحاف تلحفوا، ثم يأتي من ينسى بأن الخلافة الاسلامية لم تكن هدفاً بعينها يوماً فهل تسمى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أو نبي الله عيسى عليه السلام بخليفة الله أو آية الله في الأرض يوماً، أو حتى هل أطلقت تسمية الخلافة الاسلامية على الدول التي أقاموها بين البشر أو التي قامت من بعدهم، أم أنهم كانوا يحملون رسالة إيصال النور للقلوب الكفيل بدوره بنشرها في وجوه جميع البشر وليس نشر أنواع القتل والذبح والتنكيل بين كل من يخالفهم، ذلك باقامة دولة أساسها طاعة أوامر الخالق عزوجل بنشر العدل والقوة والمحبة والاخاء بين جميع البشر ممن لم يرفعوا سيف العداء مع هذه المبادئ النقية الطاهرة، لكن الحقيقة التي يثبتها التاريخ وتثبتها الأيام أن هناك من هو مستعد لأن يضع مئات الآلآف من الأبرياء رهينة لأفكاره ورغباته حتى ولو لم يتوافقوا معها، وحتى لو تم حرقهم والتنكيل بهم نتيجة لذلك فقط لأنه يريد أن يقيم دولة يسميها “دولة الخلافة الاسلامية”، وكأن المسمى هو الحل السحري لكل قضايا ومشاكل المسلمين والعرب حول العالم، وينسى هؤلاء أن صلاح الدين الأيوبي عندما وضع هدف تحرير القدس الشريف لم يحرره إلا بعد عمل أكثر من 90 عاماً على توحيد صفوف الأمة أولاً، وترفع لأجل ذلك عن كل شئ حتى أنه تحالف مع العاضد خليفة الدولة الفاطيمة “الشيعية” التي كانت في أضعف حالاتها ونهاية زمانها إضافة لكونها ألد أعداء الدولة العباسية “السنية” التي كان ينتمي هو إليها في ذلك الزمان، ولكن بيننا للأسف من يبحث عن زرع أي شجرة تثمر له فور خروجها من جوف الأرض، وليت أمثال هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم وأهليهم وبلدانهم ويعلموا أن هذه الأمة لم يكرمها الله ويفتح أبواب الخير في وجهها إلا عندما كانت تبادر قادة وشعوباً لاتباع أوامر الله عزوجل وهدي أنبيائه عليهم السلام بزرع أشجار المحبة والاحترام والاخاء بين جميع أبناء الأمة بكافة إختلافاتهم ومع كافة أمم وشعوب الأرض المحبة للسلام والقيم الانسانية النقية الساعية لمنع الظلم والفساد بكافة أشكاله وأنواعه، وليس بجلب المزيد من المصائب من “الرجل البدين” وغيرها لبلداننا وكأن المصائب التي لدينا لا تكفينا.
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران