يفرح المرء عندما يرى مشاريع الكبيرة لتحويل الطاقة المتجددة الى قدرة كهربائيّة تحتاجها مدن وقرى ومشاريع المملكة الانتاجيّة التي تستهلك طاقة كبيرة كان الاردن يستورد من أجلها وقودا بمبالغ كبيرة من دول أخرى .
وانتشرت مشاريع الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح في كثير من محافظات المملكة ، ولكنّها تركّزت في محافظات معان والطفيلة والمفرق ، وهذه المحافظات الثلاث تحتاج أصلا الى تنمية حقيقية في كثير من المجالات ، مثل البنية التحتيّة ، كالشوارع والساحات والحدائق والمياه وغيرها والى توفير فرص عمل لأبنائها ، والى دعم البلديّات الموجودة في كلّ محافظة والتي تشكو من عجز دائم في ميزانياتها ، يحدّ من قدرتها على تنفيذ مشاريعها .
نعلم جميعا أن مشاريع تحويل الطاقة تحتاج الى عدد قليل من الأيدي العاملة في مرحلة التشغيل ، بعضها مؤهّل وبعضها للحراسة والخدمات . وربّما تحتاج في مرحلة البناء الى عدد أكبر من العمّال المؤقّتين، الذين تنتهي عادة خدمتهم بانتهاء أعمال البناء . وقد كان على الذين يروّجون لهذه المشاريع قول الحقيقة للناس فيما يخصّ ذلك ، وعدم تهويل الأمر مثل تقرير التلفزيون الأردني الذي تحدّث عن توفير ثلاث آلاف فرصة عمل في مشاريع الطاقة الشمسية في منطقة معان التنمويّة والحقيقة أنّها لم تتجاوز أربعمائة فرصة في مرحلة البناء معظمها من العمالة الوافدة والآن مئة وخمسين فرصة عمل في مرحلة التشغيل ، وذلك ينطبق على كلّ محافظات المملكة التي فيها مثل هذه المشاريع .
هذا واقع لا يمكن تغييره ، لأن الأعداد الكبيرة من العمالة تعيق العمل أحيانا ، والمشاريع عبارة عن استثمارات لمساهمين يرغبون عاجلا أو أيضا عاجلا بالربح . والدليل على ذلك أنّ معهد التميّز للطاقة المتجددة ليس فيه الآن متدربين من أبناء معان ، وذلك لأنّ من تدرب فيه ، وعددهم أكثر من ثلاثمائة متدرّب ، لم يعملوا في المشاريع القائمة والتي لا تحتاج أصلا لكثير من العمالة الفنيّة . وتمّ التعيين في بعضها من غير شهادات تدريبيّة للعمالة سواء بمستوى الدبلوم أو أقل ، لأنّ احتياجات الشركات منهم قليلة . وكلّ فترة يقوم المتعطّلين عن العمل والحاصلين على شهادات تدريبيّة ، بالمطالبة بالتعيين عن طريق الاعتصامات أو الوقفات الاحتجاجيّة .
المسؤوليّة الاجتماعيّة لهذه الشركات غير مرضية . ومن حقّ أبناء المحافظات التي تقع فيها هذه المشاريع ، بما أنّها لا تشغّل عددا كبيرا من أبنائها ، أن يروا مساهمة أكبر منها في مدنهم وقراهم . فمثلا ، ما المانع في أن تجمّل كلّ شركة شارع وتسميّه البلدية باسم هذه الشركة ، أو أن تنشئ حديقة أو مركزا اجتماعيا أو تدعم ناديا أو مدرسة . أم أنّ هذه الشركات ستكون مثل شركة الفوسفات التي بنت مدينة سكنيّة بعيدة عن قرية الحسا ، قبل أربعين عاما ، فلم تستفد الحسا ولم تتحسن المعيشة في المدينة السكنيّة . وليس لها شارع جميل أو حديقة باسمها في الجفر أو معان أو المدوّرة أو غيرها .
ان لم تكن تلك الشركات تريد أن تعمل ذلك ، يمكن أن تأتي المبادرة من الحكومة بأنّ تخفّض الفاتورة الكهربائيّة الشهريّة للمشتركين في هذه المحافظات ، حتّى يتمكّن هؤلاء من دفع فواتيرهم بالوقت المناسب ، ويريحوا موظفّي شركة توزيع الكهرباء من الهرولة الى مساكن الناس لتسلّق الأعمدة وقطع الكهرباء عنهم اذا لم يدفع المشترك أكثر من فاتورتين .
لا بدّ أنّني أحلم …. حلما يستحيل تحقيقه .
د . عودة أبو درويش