التسريبات التي رشحت من لقاء السفير الأميركي في الأردن ( هنري ووست) مع عدد من الإعلاميين حول ازمتنا المائية و”إعلان النوايا ” بين الأردن وإسرائيل، لم تكن مفاجئة، فقد سبق وسمعت منه، قبل أكثر من شهر (اثناء لقاء في صحيفة الغد) شرحا مسهبا عن المشكلة المائية بالأردن، وعن الدعم الذي تقدمه أميركا لنا في هذا المجال، وجود المبعوث الخاص لشؤون المناخ، جون كيري، أثناء توقيع الإعلان يؤكد أيضا هذا الاهتمام الأميركي. اذاً، مرافعة السفير عن الإعلان تبدو مفهومة في سياق خبرته بالشأن الأردني، والمنطقة عموماً، ودور واشنطن بعملية التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل وجيرانها، وربما في سياق محاولة الرد على الرفض الشعبي الذي جرى، وتطمين الأردنيين بأن الاتفاقية ليست مؤامرة، وانها تجارية، وليست سيادية. ما ذكره السفير عززته – أيضا – مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الأردن (شيرلي كارين) التي، قالت: إن المياه في الأردن نفدت فعلا، وإن الوكالة تعمل على بناء خطط أنابيب جديدة لنقل المياه الإضافية من إسرائيل للأردن، بسعة 80 مليون متر مكعب سنويا. المديرة اضافت : إن هذا المشروع سينتهي خلال عام أو عام ونصف، ويتم تمويله من الوكالة والحكومة الأردنية، ثم أعادت تذكيرنا بأن كلفة استخراج المياه المنزلية التي تدفعها الحكومة تبلغ ثلاثة دنانير مقابل كل دينار يدفعه الأردني للفاتورة، وأن الأردن يحتاج لـ8 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الى العشر المقبلة، لبناء البنى التحتية لسد العجز المائي. سأتجاوز التعليق عن المعلومات التي قدمتها مديرة الوكالة، حول مشروع نقل المياه من إسرائيل إلى الأردن، وحول كلفة البنى التحتية للمياه، وعن مصدر تمويل المليارات الـ(8) ، بانتظار أن نسمع من الحكومة توضيحا لهذه التصريحات، أو نفياً لها، على اعتبار ان ما قيل يندرج في الاطار الفني، لا السياسي، وبالتالي لا مجال للرد هنا. أما ما ورد على لسان السفير بأن الإعلان مجرد عقد تجاري وليس سياديا، فينطوي على فهم يخصه هو، ولا يستطيع إقناع الأردنيين به، قضية التطبيع مع إسرائيل لا يمكن تبريرها تحت أي بند، حتى لو كان تجاريا، اما أنها جزء من التعاون الإقليمي، وليست مؤامرة، ففي داخل أغلبية الأردنيين إحساس مدعوم بوقائع تاريخية وواقعية تؤكد أن إسرائيل”تتآمر” على بلدهم وتستهدفه، وأنها ما تزال تتعامل معه بمنطق العداء، ولم تلتزم بما وقعته في وادي عربة. قد يفهم البعض ما ذكره السفير تدخلا في الشأن الأردني، وقد يفهمه آخرون في إطار الصداقات بين البلدين ودوره في تعزيزها، وقد يفهمه طرف ثالث في سياق الرد على وجود دور أميركي في إبرام الاتفاقية (الإعلان)، الاختلاف بوجهات النظر مسألة مشروعة، لكن الأهم هو غياب الحكومة عن تقديم رواية مقنعة حول ما وقعت عليه، لا أقصد ما سمعناه من وزير المياه في الجانب الفني، ولا ما ذكره رئيس وزراء حول المزايدات، ومن يمثل الأردن: النواب أم الحكومة ؟ وإنما الزاوية السياسية التي تتضمن ما أشار إليه السفير الأميركي: السيادة والمؤامرة. اللافت، والمستغرب أيضا، أن يتولى السفير بالنيابة عن الحكومة مصارحة الأردنيين بالوضع المائي في الأردن، ثم التطوع بطرح ما يلزم من حلول، والتأكيد على انه من مصلحة الأردن ان ينوع من مصادر المياه لديه، ثم الإشارة إلى ذكاء الحكومة باستكشاف الخيارات المتاحة لسد العجز المائي، هذا ما كان يجب أن يبادر اليه الناطق الرسمي منذ اللحظة الأولى لتوقيع الإعلان، بدل أن يفاجئنا يوم توقيعه بانه لا يعرف عنه. قبل دخول السفير على خط “إعلان النوايا”، ثم دخول مديرة الوكالة، نتذكر أيضا أن الإعلام الاسرائيلي، سبقنا، قبل أسبوعين أو أكثر، بالإعلان عن الاتفاقية، ما يعني أن المسؤولين في بلدنا ما زالوا غير قادرين على مواجهة الأردنيين، أو مصارحتهم بما يفعلونه، وأن اتساع فجوة الثقة له ما يبرره، كما ان تصاعد حالة الرفض والإحباط تبدو صناعة رسمية، تتحملها الحكومات والمؤسسات، فنحن نسمع أخبارنا من وسائل الإعلام الأجنبية، ويتطوع سفراء ومسؤولون أجانب لإقناعنا بما يصدر عن حكومتنا من قرارات، وتزويدنا بما نحتاجه من معلومات، سواء عن اتفاقيات قائمة أو مشروعات قادمة.