هل نحن بحاجة إلى الصبر؟

16 يونيو 2021
هل نحن بحاجة إلى الصبر؟

صراحة نيوز  – بقلم  الأب د. رفعــت بدر


على مقاعد الدراسة الجامعية في بيت جالا، درسنا علم “اللاهوت الأخلاقي” أو الأدبي، ورحم الله الأب رمزي نعمة من بلدة الطيبة – رام الله الذي حبّبنا في هذه المادة، وجعلنا ننتظر المحاضرات بشغفٍ ونُسهِم في صياغة المناهج والكتّيبات. ومن الأمور الجميلة التي تعلمناها “علم الفضيلة”، وهي بالتعريف العلمي “الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير”. وكما عرّفها أفلاطون بأنها “العِلم بالخير والعمل به”.
والفضائل نوعان: فائق الطبيعة، بمعنى أنّ العزّة الإلهيّة هي مصدرها وهدفها المباشر، وهي الإيمان والرجاء والمحبّة. والنوع الثاني هو الفضائل الأدبيّة، وهي التي يوجهها العقل وتُعطي الوسائل التي يسير بها الإنسان على درب رضى الله العظيم. ومن هذه الفضائل وأهمها الفطنة والعدالة والقناعة والشجاعة، ولكن علينا أن نفهمها من باب “الجهاد الروحي” ضد قوى الخطيئة، وليس من باب الشجاعة البشريّة النابعة من الجرأة وقوّة الشخصيّة في مواجهة الاخرين. ومن فروع فضيلة الشجاعة تبرز الشهامة التي تصدر عن النفس النبيلة، ونحن في الأردن ندمج أحيانًا صفة الشهم مع صفة النشميّ التي أصبحت مرادفة للأردني. وهنالك المثابرة والثبات وكذلك الصبر.
وقد توقفت في هذه الأيام كثيرًا أمام هذه الفضيلة – الصبر، فهي ليست كلمة شاعريّة عابرة. وفي الكتاب المقدّس إنّ الله “صبور وكثير الرحمة”. ويبرُز شخص أيوب البار المُبتلى بالمصائب مثالاً دائمًا في كل زمان للقدرة على التحمّل والصبر. لذلك يُقال “صبر أيوب”. وقد تغنّى الشعراء والمؤلفون، وغنى لها المطربون تعبيرًا عن تحملهم لهجر الحبيب الصابر.
إنّ الصبر من أهم الفضائل وأكثرها ضرورة، وهو كما يقال “من أكثر أخلاق الرجال في الشدائد” وطبعا للنساء  ، لأنّ المِحن والمعاناة التي يُعاني منها الإنسان بشكل عام هي حاصلة في كل زمان ومكان. ولذلك لا نتردّد بالقول: إنّنا بحاجة إلى الصبر في زماننا الحاضر، كما حاجتنا إلى الماء والغذاء والهواء والدواء والشفاء.
في هذين العامين، قاست البشريّة من وباء فتّاك، وحّد معه أسرة الكون على الألم، كما يوحدهم اليوم على الأمل. وفي البيوت حزن على فراق الأحبّة الراقدين، ومن كلمات العزاء “ليلهمكم الله الصبر والسلون”. وعند سرير المريض ، يدعو له الناس بالصبر والشفاء . وأمام امتحانات الثانويّة العامّة وتخرّج الجامعات، يحتاج الطالب إلى الصبر. وفي رحلة البحث عن الوظيفة يُقال “الصبر مفتاح الفرج ، فخذه أو اتركه”. وأمام الصعوبات الاقتصاديّة وإزدياد معدلات الفقر والبطالة، وتأثّر الأعمال بجائحة كورونا، تزداد الحاجة إلى الصبر والتروّي والهدوء بالرغم من عواصف زماننا الحاضر. وفي نظرتنا نحو “الصيف الآمن” والمستقبل الواعد، نحتاج الى صبر عميم . وفي نقاشاتنا مع الاجيال الصاعدة عبر السواشال ميديا ، او مواقع التواصل، تبرز أحيانا اختلافات بوجهات النظر ، ونحتاج الى سعة الصدر والتحمّل والصبر الكبير لردم الهوة و “المصالحة” بين عقليات الاجيال.
وبعد، فإنّ مع العسر يُسرًا، ولنتذكّر دائمًا أنّ المعاناة إن عشناها سوية وبمعيّة الأصدقاء تصبح أسهل وأكثر قربًا من الحلول. “فليحمل بعضنا أثقال بعض”، ولنسر نحو غدٍ جديد بقلوب متجدّدة وبصبرٍ يطلق عليه أحيانا كثيرة صفة الجميل ، رغم ان الناس أصبحت ترى حدودا لكل شيء حتى لهذه الفضيلة، وصاورا يكرّرون مع كوكب الشرق : انما للصبر حدود…
abouna.org@gmail.com
 

الاخبار العاجلة