“السكن الوظيفي لكبار رجال الدولة” مقال للعدوان قبل 8 سنوات

28 يونيو 2019
“السكن الوظيفي لكبار رجال الدولة” مقال للعدوان قبل 8 سنوات

صراحة نيوز – بقلم فريق ركن متقاعد موسى العدوان

قبل نحو ثماني سنوات نشرت مقال بعنوان ” السكن الوظيفي لكبار رجال الدولة ” وكان في عهد حكومة دولة عون الخصاونه التي لم تطول ، وبما أنه لم يجد التجاوب المطلوب لمحتواه من قبل الحكومات السابقة، وجدت من المناسب إعادة طرحه، لعل حكومة النهضة تقدم عليه وتطبقه، لأنه يصرف من مال دافعي الضرائب.

نص المقال

خلال خطابه في جلسات الثقة تحت قبة البرلمان يوم الخميس 1 /12 / 2011 ألقى النائب الدكتور ممدوح العبادي قنبلة في حضن دولة رئيس الوزراء عندما قال ، أقتبس :

” وما دامت الحكومة تتمتع بهذه الجدية في مكافحة الفساد ، إذن لماذا يكافأ الفاسد بدلا من محاسبته ؟ لدينا مثال حي : فمن زور الانتخابات عام 2010 أعطي بيتا قرب مدرسة البكالوريا قيمته الآن ما يزيد عن 10 ملايين دينار و وُضع عينا في مجلس الأعيان ، فإن كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد فإنها أمام اختبار في أن تعيد ملكية هذا البيت للخزينة باعتباره ملكا للدولة وليس لمنتفع بفساد ، فهل بمقدور الحكومة القيام بذلك ، لكي نرفع لها قبعاتنا ونشهد لها بأنها صادقة بما تعهدت به ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة . 

وانطلاقا من ذلك فإن لا جدوى من الحديث عن مكافحة الفساد إن كانت أي مؤسسة من مؤسسات الدولة بمنأى عن المحاسبة والشفافية ” . انتهى الاقتباس .

هذا الكلام . . قِيلَ بلسان نائب يمثل الأمة ، وأعلنه على رؤوس الأشهاد وفي جلسة رسمية من داخل بيت الأمة . وإذا كان كلام النائب دقيقا ، فهل يستجيب دولة الرئيس لممثل الأمة ويعيد ما صرف من أموال الشعب إلى شخص معين دون وجه حق ؟ أم أن دولته سيعتبر قنبلة النائب التي ألقيت في حضنه ” قنبلة عمياء ” غير قابلة للانفجار ولا تخيفه ، طالما أن حكومته قد فازت بثقة المجلس بأغلبية ساحقة ، وأن الزمن كفيل بنسيان هذه القصة كسابقاتها ؟

إن قيمة المنزل المشار إليه كما وردت على لسان النائب ، كافية لإنشاء مصنع وطني يشغّل عشرات العاطلين عن العمل من الشباب ، ويرفد الاقتصاد الوطني بمواد ضرورية قد تسهم في خفض أسعار بعض الحاجيات الاستهلاكية على المواطنين ، لا أن يُقام بها صرح من الحجارة تزيّنه الديكورات والجنائن لتبهج الساكنين والزائرين .

وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء ، سنجد أن هذه الأعطية ليست هي الوحيدة التي نُفذت على ساحة الوطن ، فقد سبقها الكثير من الأعطيات وإن كانت أقل قيمة منها ، شملت البعض من كبار رجال الدولة ورؤساء الأجهزة الخاصة بصورة متوالية .

ومن التساؤلات التي تدور همسا بين المواطنين حول هذا الموضوع ما يلي : ما هي الغاية من هذا الكرم الحاتمي من أموال الشعب دافعي الضرائب لتلك الطبقة من الناس؟ فهل هي شراء للذمم ؟ أم هي لغضْ النظر عن مسألة معينة ؟ أم هي للسير في طريق مرسوم ؟ أم هي إكراما لعيون ذلك المسئول مكافأة له على أعمال جليلة لم نلمس لها أثرا ؟ والإجابة على هذه التساؤلات تبقى حائرة تراوح بين هذا السبب أو ذاك . . !

من المعروف أن الدول المتحضّرة تخصص سكنا وظيفيا لمسئولي الصف الأول من رجالات الدولة ، يستخدمونه خلال إشغالهم للوظيفة الرسمية ويخلونه عند مغادرتهم مواقعهم . ونذكر في هذا السياق على سبيل المثال رئيس جمهورية فرنسا السابق جاك شيراك عندما غادر منصبه فبل سنوات ، فأخلى منزله الرسمي ولكنه لم يجد ملجأ يأوي إليه مع عائلته ، إلى أن عطف عليه السيد سعد الحريري بحكم صداقته الشخصية ، فقدم له شقة متواضعة في مدينة باريس ليسكنها حتى يتدبر أمره .

إن ما يجري على ساحتنا الأردنية في هذا المجال تعجز عن فعلة دولة نفطية ، حتى وإن كانت قادرة على فعله ماديا ، فإنها تتجنبه كالتزام أخلاقي ووظيفي . فما بالك إذن بدولة تنوء بمديونية تجاوزت السبعة عشر مليار دولار، ترافقها موازنة معجوزة بما يقارب ملياري دولار ؟

فظاهرة الأعطيات الضخمة التي أخذت تسود في مجتمعنا خلال السنوات العشر الماضية ، تذكرني بما كان يحدث في عصور ضعف الدولة الإسلامية ، عندما كان الشاعر يقف بين يدي الوالي ملقيا على مسامعه قصيدة عصماء يمجّده بها ، ويسبغ عليه من صفات النبل والكرم ما يتجاوز الحقيقة . وعندها ينطق الوالي بما تجود به نفسه من أموال المسلمين قائلا : ” أنقده يا فتى ألف دينار”. ثم يزيد الشاعر من جرعة مدحه ، ليكرر الوالي مقولته : ” أنقده يا فتى ألفا ثانية ” . وهكذا . . إلى أن تنتهي الحكاية . . !

إنني إذ أشكر سعادة النائب ممدوح العبادي على طرح هذا الموضوع بثقة عالية وبجرأة نادرة ، فإنني أضم صوتي إلى صوته ، وأطلب من دولة الرئيس ــ القاضي الدولي المحترم ــ الذي تعهد بمكافحة الفساد ، وبصفته رئيسا للسلطة التنفيذية ، أن يفتح جميع ملفات الفساد السابقة ، ويحاسب كل من أساء بحق الوطن ، ويستعيد الأموال المنهوبة من خزائن الفقراء ، وأن ينتهج أسلوب السكن الوظيفي لكبار رجال الدولة ، بدلا من أسلوب الأعطيات الذي يمثل قمة الفساد .

كما أرجو من دولته أن يعمل على سن تشريع ” من أين لك هذا ؟ ” والذي طالب به مؤخرا ما يزيد على مئة نائب . فإن تفضل بالاستجابة لذلك الطلب ، فإنه سيقدم خدمة عظيمة للوطن تذكرها الأجيال القادمة بالخير .

وفي الختام أتمنى التوفيق لدولة الرئيس عون الخصاونه في إنجاز مهامه الكبيرة ، وخدمة الوطن على أحسن صورة ممكنة . . وها نحن على الأمل منتظرون . . !

الاخبار العاجلة