قدوم عمرو دياب إلى الأردن وإحياء حفله الفني المميز في العقبة كان نموذجا لما يمكن ان تقوم به المهرجانات الثقافية والفنية من دور في تطوير السياحة وإنعاش الحركة الاقتصادية في البلاد. زهاء 8000 شخص حضروا الحفل والمدينة اكتظت بالسياح الذين جابوا متاجرها وأشغلوا مطاعمها وأوجدوا صورة لم يرها البعض طوال مدة عملهم بالسياحة. للمرة الاولى يصطف الزبائن امام بوابات مطاعم العقبة بانتظار الدخول.
في العامين الأخيرين هناك مؤشرات على ارتفاع اسهامات السياحة في الناتج القومي. البعض يعزو ذلك الى الجهود التي قمنا ونقوم بها وآخرون يرون ذلك جزءا من الانخفاض الملحوظ في كلف النقل وتوفر الطيران الرخيص وقلة المقاصد الآمنة في الشرق الاوسط بعد اشتعال الأحداث في سورية والعراق والاضطرابات الامنية في مصر. بالمقابل ما تزال الجهود الأردنية في مجال الترويج والتشجيع تصطدم بالكثير من العوائق والعقبات المهمة والمتنامية فمن ناحية يواجه السائح قيودا وتعقيدات في الحصول على تأشيرات ويشكو البعض من طول مدة الانتظار في النقاط الحدودية وارتفاع اسعار الفنادق، وغيره.
قبل أيام تلقيت دعوة كريمة من أحد المراكز البحثية في الإعلام للمشاركة في مؤتمر قصير تناول دور الإعلام والتعليم والمهرجانات الثقافية والفنية في تنمية وتطوير السياحة.
لم أتردد للحظة في قبول الدعوة للحديث حول المهرجانات الثقافية والفنية والنمو السياحي . في ذهني وأنا أحضر نفسي للمؤتمر الذي عقد في مدينة العقبة بمشاركة خبراء في الإعلام والثقافة والسياحة والعاملين على ادارة القطاع ما تقوم به العديد من دول العالم التي قطعت شوطا مهما في السياحة واصبحت مقاصد لعشرات الملايين من الباحثين عن الراحة والاستمتاع في أماكن تتيح لهم الاستكشاف والتعرف على تراث وثقافات وفنون الأمم والشعوب بكلفة قليلة وأجواء مريحة وآمنة وصديقة وخالية من الاخطار والمنغصات.
العقبة وغيرها من المواقع تحتاج إلى بنى تحتية اضافية تمكنها من استيعاب الاعداد الهائلة من جمهور الحفلات والمهرجانات الذين قد يتوافدون اذا ما تم تفعيل هذا النوع من الترويج في الأردن .
تجربة قدوم عمرو دياب الى العقبة وارتفاع مستوى إشغال الفنادق الى ما يزيد على الـ100 % واكتظاظ اسواق المدينة ومرافقها بآلاف السياح فرضت تحديات جديدة على إدارة السلطة واركان القطاع السياحي في المدينة وجوارها وأعادت طرح السؤال التاريخي ماذا لو زاد الاقبال السياحي على المدينة الشاطئية الوحيدة في بلد يسكنه عشرة ملايين شخص ويرغب المزيد من الاشقاء والاصدقاء بزيارة الاردن والاستمتاع بمناخه وتاريخه وثقافته.
من الصعب على مدينة لا تتجاوز قدرتها الاستيعابية 6500 غرفة فندقية ان تقدم على مثل هذه المهرجانات بدون اللجوء الى طرق واساليب جديدة لإيواء وخدمة الأعداد المرشحة للزيادة في حال جرى الترويج والتنظيم لمهرجانات أخرى لاحقة.
إشراك المجتمع المحلي وتهيئته لتقديم خدمات إيوائية وخدمية أحد الاساليب والطرق التي ينبغي العمل عليها والتوسع فيها. من المؤكد وجود غرفة او اكثر في كل بيت يمكن تجهيزها والاستغناء عن استخدامها لأسبوع او اكثر من كل شهر . تأجير هذه الغرف وتقديم خدمات ضيافة ذات طابع أسري يمكن ان يخدم السياحة ويسهم في نمو دخل الاسر العقباوية. في العقبة ما يقارب الـ 80000 وحدة منزلية يمكن ان يشارك نصف اصحابها بمثل هذا البرنامج اذا ما وجدوا التشجيع وحسن الادارة .
العمل على تسجيل الاسر المستعدة للقيام بمثل هذه الخدمات وتقديم التدريب الجزئي لأفرادها وتصنيفها ووضعها في سجل يسهل التنسيق والمتابعة خطوة مهمة على طريق تطوير وتنمية المجتمعات المحلية وتوسيع انشطتها ومشاركتها في الخدمة والعائد. الإقبال على مثل هذا المشروع بإيجابية يمكن ان يوفر مرافق متوسطة التكلفة ويحسن من البدائل المتاحة ويجعل من العقبة مدينة جاذبة سياحيا بتجربة ريادية تطلع السائح على الأخلاق الأردنية وتحسن مستوى دخل الأسر.
من بين المهرجانات السياحية الاكثر شهرة في العالم مهرجان الخريف في هونج كونج الصينية حيث قدم فيه عروض راقصة مبهجة بألوان زاهية تجذب الملايين لحضوره وفي اليابان يقام في كل عام مهرجان لمنحوتات الثلج والجليد حيث يأتي الزوار من مختلف جنبات العالم لمشاهدة التحف والمنحوتات الثلجية التي لامثيل لها . وفي الولايات المتحدة والبرازيل والهند وتايلاند واسبانبا يوجد مهرجانات وكرنفالات تعبر عن روح ومعتقدات وهوية الشعوب وتجذب الآخر للتعرف عليها.