صراحة نيوز – بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
يُعد البيان الوزاري الذي يقدمه أي رئيس وزراء لمجلس النواب لنيل الثقته ، خطة العمل التي يؤمن بها الرئيس وخريطة الطريق التي على اساسها يقرر النواب منحه الثقة أو حجبها، لان طريقة تشكيل الحكومات في الاردن واختيار الوزراء لا يخضع لمعايير اساسها البرنامج او الخطة التي يمكلها الرئيس وفريقة، فعملية التشكيل برمتها خارج هذا السياق فلا الحزبية متجذره ولا يراعى عملية التوافق الفكري والفهم المشترك لعمل الفريق الوزاري فربما في آخر ساعه يُفرض اسم شخص للدخول في الحكومة لاعتبارات شخصية او مناطقية أو اي اعتبار آخر، لا علاقة له ببرنامج الحكومة، وقد يدخل الوزير ويخرج وهو لا يعرف ما هي توجهات الرئيس في إدارة الحكومة والامثلة كثيرة حول ذلك.
الدكتور عمر الرزاز من الشخصيات السياسية القليلة التي لا يختلف عليها الناس كثيرا، وهذه ميزة ومصدر قوة له في عمله فهو شخصية مدركة مؤهلة ولديه تجربة جيدة، ويحمل افكار وتوجهات تساعده على تقبل الاخر والتعاطي بموضوعية مع الاختلافات والاهم انه يفهم لغة المبتزين والمطبلين والمنافقين من بعض النواب، وأرجو ان لا يكون أدبه الجم، مصدرا للاستقواء عليه من بعض النواب الشعبويين “الفارغين”.
الرئيس مطالب ايضا بقيادة المرحلة بكل شفافية لانه على الرغم من ثقة الجماهير به، الا انه سيكون تحت الرقابة الشعبية الصارمة التي لن ترحمه ان وقع في أخطاء أو جامل على حساب المصلحة العامة.
هذه المقدمة تقودنا الى تشخيص البيان الوزاري، إذ حمل في جانب منه مصطلحات الحداثة والتقليد بنفس الوقت، ووظف دولة الرئيس مصطلحات تدلل على عمق الحالة المدنية في ذهنيته فركز على مفهوم العدالة والحرية والمساواة، والوحدة الوطنية، المستندة الى قيم التعددية والوسطية والتسامح واحترام الرأي الاخر.
هذه العناوين وتاريخ الرجل وما يحمله من آراء وافكار تعطي انطباعا حداثيا لتوجهاته المستقبلية في إدارة شؤون الدولة، وهي نقطة مضيئة في البيان لان من نطقها أساسا يؤمن بها كسبيل وحيد في بناء الدولة الحديثة، وتكريس مبدأ سيادة القانون، الذي ورد بشكل أساسي في الاوراق النقاشية لجلالة الملك، كنافذه قد نبصر من خلالها ضوء شمس العدالة والمساواة بين الجميع تحت جكم القانون وسيادته.
وعلى اهمية البيان وما ورد فيه واستخدامه الذكي لكتاب التكليف السامي للملك المؤسس وما ورد فيه من عبارات ومفردات الحرية والعدالة وسيادة القانون، إلا ان جانبا من البيان جاء تقليديا ويحمل بين ثناياه أدوات الاحباط لدى المتطلعين لدور أكبر للرئيس في مواجهة القوى التقليدية وما تشكله من أداة لتكريس الجمود والحفاظ على منظومة الفساد التي عبثت بمقدررات الوطن دون أن يستطيع احداً لجمها.
إذ لا يكفي الاعتراف بالفجوة في الثقة بين الناس والحكم بل يجب الاشارة الى اجراءت حاسمة ستتخذها الحكومة في تقليص هذه الفجوة وبث رسائل التطمين وكل ما يضمن إعادة الثقة في السياسات الحكومية، وهذا لن يكون إذا شعر الناس بأن الرئيس لا يملك الولاية العامة لتنفيذ ذلك.
الناس لا يريدون خطابات بل خطة عمل تستعيد ثقتهم بالدولة ولا بد من الجرأة في القول والعمل وعمل ما يمكّنُك من استرجاع هذه الثقة، والحل سنُ قانون من اين لك هذا؟. فما يتناقله الناس من حديث ان بعض الفاسدين لا تستطيع ذكر اسماؤهم لاعتبارات الامن القومي للدولة فهذا يحسب عليك وليس لك ولا يمكن للوطن ان يُمس امنه بذكر اسم فاسد، بل يحصنه ويجعل ابناؤه يلتفون حوله ويشدون على ايديكم لتنظيفه من هذه الحثالات.
وسيدعمك في ذلك جهاز المخابرات القادر على تزويدك بكل ما تريد عن هؤلاء فإن وضعت قدمك على الطريق الصحيح ستجد الانصار يلتفون من حولك يدعمونك في جهودك رغم عقبات قوى الشد العكسي .
البيان الوزاري متوازن وكل شخص يريد فهمه بمقدوره ذلك وقراءة المشهد دون تعقيد على الرغم من النمطية والتقليد في جوانب عديدة منه…. حفظ الله الوطن وشعبه وقيادته من كل مكروه.