صراحة نيوز – دعا رئيس مجلس النواب المحامي عبدالمنعم العودات رؤساء البرلمانات العربية إلى توحيد الموقف إزاء نوايا إسرائيل التي تتعدى القدس إلى حلم إسرائيل الكبرى.
وقال العودات خلال الجلسة طارئة لرؤساء البرلمانات العربية والتي أقيمت عن بعد بدعوة أردنية إن ما قد نغض الطرف عنه اليوم سندفع ثمنه الباهظ غدا، ونحن اليوم أقدر على كبح جماح ذلك الكيان الإرهابي إذا اجتمعت كلمتنا وتوحدت إرادتنا.
وأضاف أن “الأردن من خلال وصاية جلالة الملك على المقدسات الإسلامية والمسيحية في اشتباك دائم مع المحاولات الإسرائيلية لبسط سيطرتها على الحرم القدسي الشريف، وما يجمع الأردن وفلسطين من وحدة الهدف والمصير أعمق من كل التفاصيل”.
وتابع “يجب أن لا يكون اجتماعنا للتنديد وإنما من أجل استخلاص موقف حاسم، وعلينا مراجعة عميقة لموقف الأمة العربية من الاعتداء الإسرائيلي على معتقداتها وكرامتها وإلى مراجعة حالها المشتت والمبعثر”.
وشدد على أن “صمود المقدسيين ملحمة جديدة في تاريخ المدينة المقدسة وقد منحونا مثلاً أعلى لاجتياز اختبار يتعلق بمصير الأمة بأكملها، وما يقوم به الاحتلال سيبقى وصمة عار في جبين الإنسانية ما لم يستيقظ الضمير العالمي من غفوةٍ طال أمدها”.
وتالياً نص كلمة العودات كاملة:
بسم الله الرحمن الرحيم – والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الأمين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
معالي الأخ صقر غباش رئيس الاتحاد البرلماني العربي
معالي الدكتور احمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
عطوفة الأستاذ فايز الشوابكة أمين عام الاتحاد البرلماني العربي
أصحاب المعالي والسعادة رؤساء البرلمانات العربية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمحوا لي أن أبدأ حديثي بتوجيه تحية فخر واعتزاز لأهلنا في القدس وفلسطين وهم يواصلون نضالهم المشروع ، دفاعا عن أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشرفين ، وعن مسرى نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه ، وقيامة عيسى بن مريم عليه السلام ، وعن حقوقهم الثابتة في الحرية والاستقلال ، وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني ، بعاصمتها القدس الشريف.
إن الكلمات لتعجز عن وصف صمودهم ، وتضحياتهم وتمسكهم بأرضهم وممتلكاتهم وكرامتهم الوطنية ، فقد سطروا في رحاب المسجد الأقصى المبارك ، وقبة الصخرة المشرفة ، في ليالي الشهر الفضيل ملحمة جديدة في تاريخ تلك المدينة التي عرج منها نبينا الكريم إلى السموات العلا ، وفتحها الخليفة عمر بن الخطاب ليرسي بعهدته العمرية قواعد العدل والسلام والأمان ، وحررها القائد صلاح الدين الأيوبي ليمحو آثار الهمجية حين تأتي زورا وبهتانا لتأخذ المدينة من أهلها كما هو حالها اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وفي مواجهة مشاريع الاستيطان والتهويد والتمييز العنصري والديني.
منذ احتلال القدس عام 1967 والمحتل الإسرائيلي يعمل بناء على مخططات مرحلية على تهويد المدينة بمضايقة أهلها بشتى الوسائل الدنيئة والظالمة ، ويقوم بتفريغها لصالح المستوطنين والمنظمات اليهودية ، مستخدما كل أشكال التحايل والتزوير والقهر لقتل روح البلدة القديمة ، وتعطيل الحياة في أسواقها ، وتكدير العيش فيها ، ورغما عن أنف المحتل الإسرائيلي صمد المقدسيون إلى يومنا هذا ، وضربوا أروع الأمثلة في الرباط والثبات والصبر.
وتعلمون أيها الأخوة والأخوات أن علاقة الأردن بالقضية الفلسطينية هي علاقة حياة أو موت ، ذلك أن ما يجمع بيننا من وحدة الهدف والمصير أعمق من كل التفاصيل ، وأقوى بكل البراهين من أن يتم التعبير عنها تبعا للأحداث والتطورات، فنحن من خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية التي يحمل أمانتها صلباً ثابتاُ جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، ومن خلال مجلس أوقاف القدس ، والصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة في اشتباك يومي مع جميع المحاولات الإسرائيلية الرامية لبسط السيطرة على المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية ، والتصدي للإنتهاكات التي يمارسها المستوطنون ، ولمشاريع التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي، على غرار ما حدث للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل المحتلة، وغير ذلك كثير مثل الحفريات ، وطمس المعالم ، وتغيير المسميات مما يضيق به المجال.
إن كل شبر في تلك الرحاب ، وفي المدينة المقدسة موثق لدى الأردن الذي تولى شرف السيادة عليها في إطار الدولة الواحدة التي ضمت الضفتين عام 1950 بعد أن بقيت بعد حرب الثمانية والأربعين في عهدة الجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية التي خاضت معارك الشرف وقدمت الشهداء في سبيل إنقاذ الضفة الغربية وما يعرف الآن بالقدس الشرقية.
إن حي الشيخ جراح على سبيل المثال هو من أحياء القدس التي لجأ إليه فلسطينيون من أمكان مختلفة من فلسطين التاريخية ، حيث تم الاتفاق بين المملكة الأردنية الهاشمية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين على تهيئة المساكن لهم عن طريق عقود مؤقتة ليصار فيما بعد إلى منحهم عقود الملكية الدائمة ، وفي جميع الأحوال فإن ذلك الحي وبقية أحياء القدس هي أرض محتلة بحكم القانون الدولي ، والمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية.
لقد أقر المجتمع الدولي مرارا وتكرارا بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وجميعها قرارات تمنع بشكل قاطع جميع الإجراءات أحادية الجانب ، وتعتبرها باطلة، كما هو الحال بالنسبة لضم القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل.
واليوم بلغ التمادي الإسرائيلي حد منازعة أهالي القدس على ممتلكاتهم، بفرض الأمر الواقع، اعتمادا على قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وكأنها بذلك تستبدل الشرعية الدولية بقرار رئيس أهوج أثارت مسلكياته الغريبة الجدل حتى في بلده الذي تخلص منه بشق الأنفس.
إن اللعبة التي يلعبها الكيان الصهيوني، تقوم على خلق واقع يترسخ مع الوقت لإظهار ما يجري في القدس على أنه خلاف حول ملكية الأراضي والعقارات، وأن المحاكم الإسرائيلية تقضي في هذه الأمور بناء على مقتضيات قانونية، وهي بذلك تضحك على نفسها إذ تعتقد بأن ذلك التضليل يمكن أن يغير الحقائق القائمة على عدم شرعية وجودها أصلا فوق تلك الأراضي ، بل إنها تتغاضى عن حقيقة أنها تستولى على ملكية الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية كلها.
حي الشيخ جراح لم يعد الآن مجرد قضية تحتاج منا إلى مساندة أدبية أو معنوية إنها قضية تعيدنا مع ما رافقها من أحداث في محيط الحرم القدس، وفي المسجد الأقصى المبارك إلى المربع الأول فيما يخص القدس من حيث هي جزء من عقيدتنا مسلمين ومسيحيين ، إلى جانب الأبعاد التاريخية والقانونية والأخلاقية المتصلة بها ، فنحن في الواقع أمام مراجعة شاملة وعميقة لموقف أمتنا من هذا الاعتداء الصارخ على معتقداتنا وكرامتنا وحقوقنا بل وقيمة وجودنا في الحياة الإنسانية ، ونحن ندفع ثمن سكوت القوى الفاعلة عن كيان يعيدنا بصلفه وعنجهيته إلى أزمنة الاستعمار البغيض، وجرائم الحرب، والتمييز العنصري والديني، والانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان.
لسنا هنا اليوم من أجل التنديد والوعيد لهذا الكيان الشرير، ولا إظهار التعاطف الكلامي مع أهلنا في القدس وفلسطين، وإنما من أجل استخلاص موقف حاسم يفصل بين سنوات طويلة من التسويف والمماطلة والتزوير ، وبين مرحلة جديدة من صراع يفتعله الكيان الصهيوني، ويتحدى به المعاهدات والاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية ، في ظاهرة لا مثيل لها في النظام العالمي للدول ، تفرض علينا نحن العرب مراجعة واقعنا ، وحالنا المشتت المبعثر بين خلافات مفتعلة، ومسارات موجهة، ومبررات واهية لم يقتنع بها الشعب العربي في أي يوم من الأيام.
نحن اليوم أمام كيان يناقض في وجوده وممارساته قواعد الأمن والاستقرار والسلام العالمي ، وعلينا أن نجد وسيلتنا لإعادة صياغة موقف دولي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومجلس الأمن الدولي، وبقية الهيئات والمنظمات والمرجعيات القانونية العالمية ، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، ويتوجب علينا كذلك أن نفحص علاقاتنا في إطار مجموعتنا العربية بالمجموعة الإسلامية التي تضم ستة وخمسين دولة ، إلى جانب المجموعات الإفريقية والآسيوية والأوروبية ، كي نوزن قوتنا الحقيقية في المجتمع الدولي، لكي يقول كلمته بشأن ذلك الكيان المتمرد عليه ، المهدد لأمنه واستقراره، المحتقر لقيمه ومبادئه وأعرافه.
لقد أصبح بإمكاننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن نقدم للعالم أوصافا واضحة لهذا الكيان تستند إلى ممارساته المشهودة والموثقة بأفعاله، ونذهب بكل صفة إلى الجهة ذات العلاقة ، لكي تحاسب نفسها على سكوتها وتغاضيها عن ذلك الكيان المعتدي، الإرهابي، العنصري ، المنتهك لحقوق الإنسان ، وتدافع عن مكانتها ومبررات وجودها ، قبل أن تقوم بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني ومظلمته التاريخية التي ستظل وصمة عار في جبين الإنسانية ما لم يصحو الضمير العالمي من غفوته التي طال أمدها كثيرا.
مرة أخرى ، وقبل أن أنهي كلمتي أقول لكم بكل صدق وأمانة إن أكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو الاعتقاد بأننا مجتمعون في هذا اليوم من أجل التعبير عن تضامننا مع شعبنا الفلسطيني الشقيق ، وأن بيانا يصدر عن اجتماعنا هذا سيكون بمثابة بطاقة معايدة لأهلنا المرابطين في القدس ، فلا بد من فهم ما يجري على أرض الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والنظر إلى الحالة التي صارت عليها إسرائيل في تركيبتها الدينية وأزماتها السياسية ، فضلا عن معرفة أسباب تماديها في العدوان على قطاع غزة وعلى سوريا ولبنان ، إلى جانب تحركاتها المشبوهة في المنطقة كلها.
نحن كممثلين لشعوبنا معنيون بتفعيل دورنا المباشر لتوحيد نظرتنا وموقفنا القومي على المستويين الشعبي والرسمي، إزاء نوايا إسرائيل التي نعرف جميعا أنها تتعدى القدس إلى حلم إسرائيل الكبرى ، وما قد نغض الطرف عنه اليوم سندفع ثمنه الباهظ غدا، ونحن اليوم أقدر على كبح جماح ذلك الكيان الإرهابي، إذا اجتمعت كلمتنا ، وتوحدت إرادتنا ، وقد منحنا المقدسيون المثل الأعلى كي نمضي عليه، ونجتاز الاختبار الذي نعيشه اليوم، وهو اختبار يتعلق بمصير أمة بأكملها، وبمستقبل أجيالها، وحقها الطبيعي في الحرية والتقدم والرقي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته