صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يقول الطبيب الشاعر صبحي أبو غنيمة – رحمه الله – والذي كان صديق الطفولة والصبا والرجولة لعرار شاعر الأردن : ” أن عرارا كان من رجال الرعيل الذين قاسوا الأمرّين في سجون جدة ومكة والسلط وعمان وغيرها، دون أن يجعل أحدهم هدفه الأسمى المناصب والوزارات والمساومة على الأمة والوطن . إن الفضل كل الفضل يُعزى لأولئك الأبطال، في تحطيم القيود وغرس بذور التضحية والفداء، حتى أينع الغرس ودنت القطوف . . وخلف من بعدهم خلف رآهم عرار على حقيقتهم إذ وصفهم ببيت الشعر التالي :
وتسوّل المتزعمون حقوقهم * * من زمرة ( الإذّان ) و (الغلمانِ )
وإذا بهم ينتفخون كالدِيَكَةِ، فيرون الحسنى لأنفسهم ولأنفسهم فقط، أما عرار ورفاقه فقد انتهى عملهم، ولم يخجل أحدهم أن يعلن ذلك في الصحيفة التي ورثوا حتى اسمها عن المجاهدين الأولين. كل ذلك ليخلو الجو لهذا ( الرعيل التافه ) فيستلم الحكم، ويخرج منه بأسوأ ما ضُربت به الأمثلة “. وكان من نصيب عرار من هؤلاء الجحود والنكران حتى مات وهو يئن قائلا :
و ( أنا ) الذي جحد الأحبة فضله * * وأعان أصدقهم على خلانه
ويضيف الدكتور أبو غنيمة قائلا : ” لم يكن في اربد متنزهات أو أماكن لهو، فالمكان الذي نجتمع به هو البيت أو ( ظهر التل ) أو طريق أربد بشرى الطريق الجميل، ولكن ما هو الحديث ؟ ولِمَ كان ينتهي بنا إلى المرح والسرور ؟ فذاك ما لا أستطيع تذكر دقائقه.
كنا نستعرض الناس والحوادث وما قرأناه، فنعلّق على هذا وذاك، ونوجد لأنفسنا من هذا كله مجالا للترفيه، بنقد الأمور والحوادث والرفاق بالحكم على هذا وذاك. والآن وقد مضت السنون سراعا وقضى عرار، واختلفت الطرق والمسالك بنا وبجميع الرفاق، أراني أعجب كيف صنع القدر من البعض رؤساء وزارات، وأصحاب مناصب ومقامات ؟ وكيف طُوّح بالبعض إلى الحضيض ؟ فمنهم من لا يزال ماضيا في بؤسه وشقائه، ومنهم من قضى دون أن يخلّف أثرا . . وصحيح أن ليست الجامعات تصنع الرجال، ولكنها أعشاش الأطفال، غير أني لا أستطيع إلا أن أشير إلى غرائب الحياة، في تهيئة الظروف لبعض المشاة، لكي يصبحوا فرسانا الميدان . . ! ” انتهى.
* * *
التعليق : ما أشبه الليلة بالبارحة . . ! ويظهر أن التاريخ في الأردن يعيد نفسه، ولكن على شكل مهزلة هذه المرة. فلو قُدّر للدكتور صبحي أبو غنيمة أن يعيش هذه الأيام، ويرى كيف ينتخب رؤساء الوزارات، وكيف يتم اختيار وتعيين الوزراء، ثم يقالون خلال ليلة واحدة أو بعد بضعة أشهر، وكيف تدار أمور الدولة، لتخلى عن مهنة الطب والشعر وعاد سريعا إلى قبره . . ! رحم الله رجالات الأردن الوطنيين الأوفياء، ورحم شاعر الأردن عرار ورفيق دربه الدكتور صبحي أبو غنيمه، وأسكنهم جميعا جنات الفردوس الأعلى، جزاء وفاقا لما قدموه من أجل الأردن.
التاريخ : 4 / 5 / 2018