كثيرة جدا ولا حصر لها؛ الحالات التي تم التحول خلالها للتكنولوجيا في تنفيذ وتطبيق وأداء الأعمال، حتى «البيروقراطية» القاتلة تمت برمجتها كنظام عمل، ويندفع الواحد منا أحيانا ليلعن أبو التكنولوجيا، حين يشاهد التوظيف السيئ لها في بعض دوائرنا الرسمية، وثمة مثال كان قد حيرني قبل أن تنفذه الوكالة الأمريكية للانماء USAID، وكان ذلك عام 2005 حسب اعتقادي، حين تقدمت الوكالة بمشروع لأتمتة التصويت في مجلس النواب، وكنت وما زلت حتى اليوم أشكك في قانونية هذا التصويت، لأنني أعتبره حقا ديمقراطيا قانونيا للنائب تحت القبة، يجب أن يكون له شكل وجاهي، تماما كألفاظ القسم الدستوري ووجاهيته.. حيث كنت أستغرب قبل التصويت الالكتروني تحت القبة، كيف يتم التأكد من عدد الأصوات المؤيدة أو المعارضة لقانون أو اقتراح ما، الى الدرجة التي كان رئيس المجلس يطلب من النواب التصويت بالوقوف، ليتمكن من «جرد» الأصوات، وتسجيلها في محضر الجلسة.. وبين عشية وضحاها أصبح التصويت اليكترونيا ولا يمكن لأحد أن يتأكد بأن العدّ والجرد صحيح. لا علاقة لفكرتي بالتكنولوجيا ولا بالتصويت، بل لها علاقة بالمرضى، وأعني المدمنين على المخدرات، والذين يقودهم الادمان لترويج وتنشيط هذه التجارة، التي تعزز الجريمة وتقتل أجيالا من شبابنا الواعد، حيث تعتني القوانين والقبضة الأمنية بمكافحة آفة المخدرات، لكنها غير مطلوب منها تقديم حلول، وكذلك يفعل القضاء الأردني، يحقق وينزل عقوبات بالمتاجرين والمتعاطين، وأغلبهم مدمنون، يزدادون اقبالا على الجريمة بعد أن تجري محاكمتهم، وثمة دراسات عالمية تقول بأن أكثر من نصف الموقوفين أو المحكومين بالسجن بقضايا المخدرات يعودون لها بطريقة أقوى من السابق، الأمر الذي يجعلنا نفكر بحل جذري لمشكلة التوغل في تعاطي وترويج هذه الآفة. نحتاج مصحة نفسية كبيرة، تستوعب الأعداد الكبيرة من المتعاطين الذين هم مدمنون أو على طريق الإدمان، سيما وأن بعض أنواع المخدرات (الكريستال) مثلا، يدمنها متعاطيها من الجرعة الأولى، وهؤلاء يملأون السجن ومراكز التوقيف، وقضاياهم واضحة، فتعاطيهم لتلك المادة أو ترويجها ينالون عليها أحكاما واضحة، لكن ليس من بينها شفاؤهم، علما أن علاج مدمني بعض أنواع المخدرات يحتاجون لرعاية صحية ونفسية قد تمتد لعام أو أكثر، وعدم التأكد من إبعادهم هذه المدة عن الآفة، وتأهيلهم بدنيا ونفسيا، يعيدهم إليها بشكل أقوى من السابق، نتيجة للآثار الانسحابية التي يتسبب بها انقطاع المخدر فترة غير كافية. لدينا مركزا علاج من الإدمان تابعين للأمن العام، وربما أكثر، لكن ثمة مركز لعلاج الإدمان تابع لمكافحة المخدرات، وأقصى فترة يمكن احتجاز المريض في هذا المركز لاستكمال العلاج ربما شهرين فقط، وكذلك هناك مركز آخر حديث، تابع لمركز إصلاح وتأهيل بيرين، يتم وضع بعض محكومي قضايا المخدرات فيه، ويخضع لرقابة من جهات دولية، وأعتقد أن أقصى مدة يمكثها المحكوم أو المريض فيه لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وهي أيضا غير كافية للتأكد من إقلاع المتعاطي أو المدمن عن هذه الآفة.. لماذا لا تقوم الدولة بمساعدة الجهات الداعمة والمانحة بتدشين أكثر من مصحة نفسية، أو واحدة كبيرة، يكون تواجد المريض أو المتعاطي فيها قسريا، لفترات تتناسب مع حالته الصحية، التي يجب تأكيدها طبيا وليس باعترافات أو عدم اعترافات المتهم أو المريض ؟. الفكرة واضحة والهدف كذلك، وأعتقد أن مثل هذه المصحة أو المصحات باتت مطلوبة فالعقاب القضائي والقبضة الأمنية لا يكفيان للقضاء على هذا الخطر، لتكن هناك مصحات ببرامج تأهيلية مناسبة، وليكن هناك تشريع جديد للتعامل مع كل متهمي أو مجرمي التعامل بهذه المادة، يعتمد على هذه المصحات وفترات إجبارية للمجرمين والمتهمين للمكوث فيها، وضمانة انخراطهم في برامج تأهيلية حتى لو كانت تشغيلية مهنية أو حتى عسكرية.