صراحة نيوز – بقءلم د.سليمان الرطروط
استمعنا بالأمس وبدعوة من المنتدى العالمي للوسطية لمحاضرة قيمة من أكاديمي متميز ، وسياسي محنك ؛ ألا وهو د. أحمد داود أوغلو _ رئيس الوزراء التركي السابق _ وقد بدأ محاضرته بذكر عناوين رئيسة عن التاريخ السياسي منذ القرن السابع عشر ، وكيفية معالجة الدول الأوروبية قديما لعدد من القضايا وخاصة الأمن .
وتطرق لأبرز الأحداث العالمية في القرن الماضي ، حيث تفجر النزاع العالمي المسلح في الحربين الأولى والثانية ، وما نتج عنهما من إنهيار لبعض الأمبرطوريات والدول ؛ وفوز الدول الاستعمارية كل بحصته، ثم ظهور الحرب الباردة، والتي انتهت بتفكك الإتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية ؛ ونشوء الفوضى العالمية .
وذكر بعض الآثار للزلال العالمية الأربع في بداية القرن الحالي، والتي تتمثل في انحلال الاتحاد السوفيتي، وهجمات 11 من سبتمر، والأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 ، واندلاع الربيع العربي في 2011 م، ودعا إلى التعاون والتفاهم بين مكونات المنطقة وإيجاد الحلول الملائمة بين المكونات الدينية والعرقية، وتقديم التسامح ، وتغليب المصلحة العامة وضرب مثالاً عن الحالة الكردية ؛ فلقد كان يمنع على الأكراد استخدام اللغة الكردية، ولكن مع التوجهات السياسية التركية الجديدة يستطيع الأكراد الآن استخدام اللغة الكردية في كل مجالات الحياة وبما فيها الغناء .
وتناول الموضوع الأهم في الشرق الأوسط ألا وهي القضية الفلسطينية، والقدس تحديداً، وذكر تساؤل الرئيس التركي أردوغان عن سبب غياب القادة العرب في مؤتمر منظمة العالم الإسلامي والذي عقد باستطنبول ، بينما حضر زعيمين فقط ، وكان الملك عبدالله الثاني ابن الحسين إحداهما .
وأبدى أوغلوا الامتعاض والاستهجان، والاستنكار للمواقف العربية خاصة والإسلامية عامة اتجاه القدس ، حيث قال : ربما نختلف على كل شيء، ولكن القدس يجب أن توحدنا، هل هنالك ما هو أهم من القدس؟ إذا لم توحدنا القدس، فما الذي سيوحدنا ؟
ورغم المشاكل والأزمات والحروب الداخلية في بعض الدول العربية، وضعف دور مؤسسات تلك الدول ، ووقف دور المؤسسات العربية مثل مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ، إلا أنه دعى للتفاءل بالمستقبل ، فالتفاؤل والنظرة الإيجابية هما الركيزة ، ومنح المزيد من الحرية للشعوب ، مع مراعاة الأمن، وتفعيل مؤسسات الدولة، فالدولة لكل أبناءها، وضرب مثلاً باستطنبول، بذلك ننهض ويكن المستقبل مشرقاً.
د. أحمد داود أوغلو نموذج رائع للسياسي الإسلامي الواعي،والثقافة العالمية التاريخية والسياسية، ذو فكر ثاقب ، وطروحات جديدة ومبتكرة، زاوج بين القول والفعل ، فمن نظريته الأبرز صفر مشاكل مع الجيران ، إلى إعادة الدور العثماني الناعم في كل العالم من منيمار إلى الصومال وغيرها، وكذلك مواقفه الداخلية ؛ فلعل الموقف الواضح له ابتعاده عن المناصب السياسية وتقديم استقالته من رئاسة الوزراء عند اختلاف وجهات النظر، ولكنه لم يعادي إخوانه في الحزب أو الحكومة، بل كان داعما لأردوغان أمام الانقلاب الفاشل ، وكذلك في ترشحه لرئاسة الجمهورية.
أننا أمام حالة واقعية لرجل دولة يحمل هموم وطموحات أمة ، ويسعى لإعادة المجد لها، مع ثقافة عالية، وتواضع وأدب جم، ونظرة استراتيجية بعيدة المدى، وتحليل دقيق، ومعالجة وحلول واقعية وهادئة للمشاكل ، فهو لا يدعو لنفي وجود الآخر ، ولا يسعى لفناءه، ومصادرة دوره.
أننا أمام نموذج سياسي عملي لما يسمى: العثمانيون الجدد، أو الأحفاد السياسين للسلطان عبدالحميد، وحملة المشروع السياسي الإسلامي المتطور للجامعة الإسلامية والذي كان مطروحاً في بداية القرن الماضي .
إن الحضور السياسي المتميز من أربعة رؤساء وزارت، وكذلك بعض النواب السابقين والحاليين، ورؤساء عدد من الأحزاب ، والشخصيات السياسية والاجتماعية ؛لعل ذلك أن يكون له الأثر في تغيير بعض المفاهيم والمواقف ، ووقف التنابز والتنافر بين الإخوة شركاء البرنامج السياسي، وأعني قادة الأحزاب والجماعات الإسلامية في الأردن ، كما قد يؤهل لحالة جديدة للآخرين لإعادة النظر في مواقفهم السياسية ، وعدم التشكيك واتهام النوايا لغيرهم .
فالقدس يجب أن توحدنا، والعدو الصهيوني يعتبر الكل عدواً له ، ولا يلتفت لتلك المسميات، فالخطر كبير ، وكما قال الضيف : إذا لم توحدنا القدس ، فماذا إذن يمكن أن يوحدنا؟
إن الدور والموقف الأردني البارز الرافض لقرار الإدارة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة لدولة الكيان الغاصب يجب دعمه ومؤازرته من كافة القوى السياسية الأردنية على اختلاف مناهجها ومسمياتها، فهو الأساس والركيزة الأولى ، كما يحتاج الأردن لدعم موقفه من جميع الدول العربية والإسلامية، ويجب أن لا يترك الأردن وحيداً.