صراحة نيوز – بقلم أ.د.صلحي الشحاتيت
أصبح النمو المعرفي المتزايد في القدرات البحثية والتعليمية على مستوى العالم يتيح فرصاً غير منتهية للتعاون على تنمية المعارف العلمية والارتقاء بمستوى حياة المواطنين، ومثال ذلك اللقاء العالمي الذي قامت بتنظيمه جامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية الأسبوع الماضي، تحت عنوان «قمة التميز في مجال التعليم العالي لعام 2019 آسيا والمحيط الهادي»، حيث شارك فيها 200 عالِم من 17 دولة بمختلف التخصصات لمناقشة موضوع أهمية البحث العلمي في دعم بنية الصالح العام، وأهمية التعاون بين الجامعات والجهات المانحة لتطبيق الأبحاث العلمية بما يخدم الصالح العام، بالإضافة الى الإشارة إلى العديد من الجامعات العالمية التي تكرّس الأبحاث العلمية لخدمة الصالح العام، منها جامعة دينفر وجامعة كاليفورنيا وجامعة ويسكونسن وجامعة نورث كارولينا.
من هنا كان لا بد من طرح الأسئلة الآتية: ماذا حقق الأردن من إنجازات في مجال البحث العلمي؟ وما مدى ملائمته لما تم إنجازه لخدمة الصالح العام؟ ولا بد لنا من الإعتراف بوجود فجوة كبيرة بين البحث العلمي والخبرات العلمية والأكاديمية والمراكز البحثية وصناع القرار في الأردن، وأن وجود هذه الفجوة غير مقبول في ظل ما يشهده العالم اليوم، الذي أصبح فيه كل شي يعتمد على إنتاج المعرفة والبحث العلمي في مختلف المجالات؛ ويمكن إرجاع سبب هذه الفجوة إلى ضعف إدراك الحكومات المتعاقبة لواقع الحال في الأردن، وعدم إدراك الحكومات للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأوضاع السكانية بشكل عام، ينعكس بشكل كبير على طريقة وضع السياسات العامة في البلد من جهة، وعلى مشاركة الناس في صنع هذه السياسات من جهة أخرى.
سابقاً قمت بطرح فكرة على دولة الدكتور عمر الرزاز في لقاء حواري في تشرين الأول الماضي جمعنا فيه معالي الأخ والصديق محمد داودية؛ تلخصت الفكرة بوجود هيئة مستشارين لأي قطاع، بحيث يضم أردنيين متميزين من داخل وخارج الأردن، والعمل على استقطاب الكفاءات المختلفة للحوار، من تقييم الوضع، وتقديم الأفكار، والمقترحات. وهذا ما نادى به جلالة الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشية السابعة التي أكد فيها جلالته على بناء القدرات البشرية وإشراك المواطن في صياغة القرار الإستراتيجي في جميع المؤسسات، ولا شك أن وطننا الحبيب الأردن ثريٌ بالكفاءات الرفيعة، بعضهم استلم مناصب حكومية بما في ذلك وزارات، وبعضهم يدير أعماله الخاصة، وبعضهم من أساتذة الجامعات الذين حازوا على أعلى الدرجات العلمية ولهم أنشطة بحثية يشاد بها. هذه الهيئات الاستشارية التي من الممكن أن تكون تطوعية يمكن أن تكون العين الخارجية للوزارات التي ترى فيها ما لا تراه الهيئات الداخلية، من شأنها أن تُحدث حوارا فعالا يفرزُ أفكارا ومقترحات مهمة.
وهذا بدوره يقلل من الفجوة بين الحكومات وحاجات المجتمع والتنمية من جهة، والبحث العلمي من جهة أخرى، ويجب تبني قمة أردنية تجمع علماء وباحثين أردنيين من داخل وخارج الوطن، لمناقشة واقع البحث العلمي الأردني، ومدى ملائمته مع واقع واحتياجات ومشاكل القطاعات المختلفة؛ بحيث تُقدّمُ مخرجات هذه القمة للقطاعات الحكومية المختصة لتطبيقها ومتابعة تنفيذها في الميدان، مع وضع الحلول لأهم المشاكل التي تواجه الأردن بمختلف قطاعات، ومناقشتها، وطرح أفكار بحثية للصالح العام.
هذه القمة ومخرجاتها من شأنها تجسير الفجوة بين البحث العلمي والصالح العام، وتفتح باب التفكير والإبتكار للنهوض بواقع البحث العلمي في الأردن، عدا عن إمكانية دراسة الأفكار البحثية الناتجة وتمويلها وتطبيقها على أرض الواقع، كما تفتح المجال أمام الفكر البحثي العالمي حيث أن البحث العلمي في الأردن مازال يهتم بالأمور البحثية التقليدية البحتة، في حين أن العالم وصل إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات المعرفية، وظهور ما يسمى بمجتمع المعرفة، وهذا ما نطمح أن نصل إليه هنا في الأردن. وما ينادي به جلالة الملك عبدالله الثاني بتوصياته للحكومات المتعاقبة وأوراقه النقاشية التي ركز فيها جلالته على العملية التعليمية التي هي أساس التنمية البشرية، ولا شك أن البحث العلمي هو أهم عامل من عوامل التنمية البشرية.
* رئيس جامعة العقبة للتكنولوجيا