صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
لا أظن أن بمقدور أي دولة أو منظمة عربیة أو عالمیة أن تدعو ھذا العدد من الدول لھذا العدد من المؤتمرات في ھذا الوقت القیاسي فیحضر الجمیع ویتحدثون بلا خلافات ظاھرة، فتصدر البیانات بلا اعتراضات جوھریة، ویوجھ الشكر للجمیع. كل ذلك في اقل من عشرة ایام. السؤال الذي یدور في رؤوس المراقبین والمتابعین یتعلق بمصدر القوة التي تملكھا السعودیة والنفوذ الذي تتمتع به الجمیع راغب في التقرب ویتجنب الاختلاف مع مواقفھا؟
في اقل من عشرة ایام تمكنت السعودیة من تنظیم وعقد ثلاثة مؤتمرات خلیجیة وعربیة واسلامیة بمشاركة اكثر من 57 دولة وھیئة ومنظمة على ارض مكة وبالقرب من البیت العتیق.
حتى قطر التي ما تزال على خلاف كبیر مع المملكة وحلفائھا حضرت المؤتمرات الثلاثة وتمنى الخبراء الذین ظھروا على شاشات الجزیرة النجاح للمملكة في توحید مواقف الأمة مشككة في امكانیة حصول ذلك لاسباب تتعلق بتباین المواقف والآراء وغیاب الآلیة المناسبة لتنفیذ البنود والتوصیات التي قد تخرج بھا.
الشعار الذي رفعته القمم ”یدا بید نحو المستقبل“ شعار جذاب لكنه یصطدم باختلاف المواقف وتعارض المصالح. الشعار یفتقر إلى الكثیر من المتطلبات التي قد تجعل منه عنوانا مناسبا ومقبولا للمؤتمرات وللمواطن العربي الذي یرقب الاعمال بكثیر من الشك والیأس.
الاجماع على ادانة الاعتداءات والتضامن الشكلي لدول مجلس التعاون لا یخفي الاختلافات العمیقة بین المواقف والتصدع في بنیة الاجتماعات السابقة للفرقاء على مختلف القضایا الداخلیة والخارجیة. في المؤتمر الذي كرس لبحث الاخطار والتھدیدات الایرانیة یتفق الاعضاء على اھمیة الامن الخلیجي وادانة الاعتداءات التي وقعت على المنشآت السعودیة والسفن الاماراتیة لكنھم یستخدمون لغة تتباین في حدتھا وتشددھا ومباشرتھا.
بعض الاعضاء یتمنون لو تم التركیز على تسویة الخلافات الداخلیة بین الاعضاء والاتفاق على منھج للتعامل، والبعد عن التحالفات والمحاور داخل المجلس الذي طالما شكل نموذجا لنجاح العمل العربي المشترك قبل ان تدب الخلافات في أوصاله .
في المؤتمر الخاص باعضاء المجموعة العربیة تحدث القادة عن محوریة القضیة الفلسطینیة واكدوا على الالتزام بحل الدولتین وسط تساؤلات البعض حول معنى التدخل بشؤون الغیر وممارسة التدخل وآثاره على تحقیق الشعار الذي یرى البعض بعده عن كل ما یجري على ارض الواقع.
من بین القادة الذین جاؤوا إلى المؤتمر، اكد الأردن بلغة واضحة على محوریة القضیة الفلسطینیة باعتبارھا القضیة العربیة الاسلامیة الأھم وذكر القادة والعالم بأن لا استقرار ولا امن دون حل القضیة ضمن المرجعیات الدولیة.
القمة الاسلامیة كانت اكثر اعتدالا وتوازنا، فقد نجح العدید من حكماء الأمة في توسیع دائرة الاھتمام الاسلامي بتسلیط الاضواء على تحدیات التنمیة والمخاطر التي تحیط بالأمة وضرورة ایجاد استراتیجیات جدیدة تستجیب لتوقعات الشارع العربي والأمة التي تتطلع لقادتھا بشي من الامل.
في لغة ومحتوى الخطاب الذي القاه امیر الكویت الكثیر من الحكمة والموضوعیة والابتعاد عن التطرف والتحریض والاقتراب من ھموم الشارع، فقد اشار إلى اوضاع الأمة ومكامن التخلف وتحدیات التنمیة بالشكل الذي تتطلع له الشعوب. إلى جانب امیر الكویت استطاع رئیس الوزراء الباكستاني ان ینزع فتیل التوتر وتذكیر الزعماء والقادة بأھمیة العمل على توضیح صورة الاسلام ورفع المعاناة عن المسلمین في ارجاء العالم مستفیدین من تجربة الامم واتباع الدیانات الاخرى.
القمم الثلاث كانت مناورة حیة تبرھن على قدرة المملكة على تحریك الأمة وقیادتھا، لكن المخرجات ستبقى مثل كل المخرجات السابقة فلا برامج للعمل ولا متابعة لما ورد في البیان، ما یجعل من المؤتمرات تأكیدا على ان الأمة ما تزال تعاني من التباین الشدید بین الاقوال والافعال وبرامج العمل.
غادر الزعماء قاعات المؤتمر وفي اذھانھم حصیلة البیانات التي صدرت عن المؤتمرات السابقة وعیونھم على الورشة التي ستعقد في البحرین حیث ستتداخل الاموال مع الاقوال والمواقف مع المصالح وسط شكوك ومخاوف وفوضى التفكیر العربي. في المؤتمرات الثلاثة كانت الأمة بحاجة إلى مواقف اكثر وضوحا، وبیانات ترتبط ببرامج عمل وانتقال من فصل الاقوال إلى حقل الافعال.