بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
( مشيئة الأقدار لا تردني . أنا الذي أغير الأقدار . يا أيها الثوار في القدس في الخليل في بيسان في الأغوار في بيت لحم حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا … تقدموا فقصة السلام مسرحية .. والعدل مسرحية .. إلى فلسطين طريق واحد … يمر من فوهة بندقية … رحم الله نزار قباني ) .
لقد أخطأ القادة العرب حين وافقوا في مؤتمر مدريد أن يتم تأجيل قضية القدس بدل أن تكون لب الصراع بدايته ونهايته . فالقدس ليست مدينة في وطن ولكن القدس وطن في مدينة لكل العرب لكل المسلمين ولكل المسيحيين
إن شعار الصهيونية العالمية (أن لا قيمة لإسرائيل بدون أورشليم ولا معنى لأورشليم بدون الهيكل ) .
في مقابلة صحفية مع جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية تم توجيه سؤال إليها ما هو أسوأ يوم في حياتها فأجابت بعد تفكير عميق ( إن أسوأ يوم في حياتي هو اليوم الذي قام فيه اليهود بإحراق المسجد الأقصى ) لقد استغرب الصحفي من هذا الجواب فسألها عن أسعد يوم في حياتها فأجابت فورا وبدون أي تردد ( أسعد يوم في حياتي هو اليوم التالي الذي لم يتجاوز رد فعل العرب على حادثة إحراق المسجد الأقصى عن التنديد حيث كنت أتوقع أن هذا الحادث هو نهاية إسرائيل )
منذ ذلك اليوم عرف اليهود أنه لا توجد خطوط حمراء عند العرب فاستباحوا كل شيء ليس في فلسطين فحسب بل في كل الوطن العربي .
يا أولى القبلتين وثالث الحرمين يا مسرى الرسول ويا مسجداً تُشد اليه الرحال . يا مهد الأنبياء ومهبط الأديان .
كل الجيوش العربية التي حاربت من أجل فلسطين هي مشغولة الآن بقضايا داخلية بثورات شعبية وانقسامات طائفية وعرقية وحروب أهلية .
لقد أعلنت محطة (السي إن إن ) الأمريكية قبل سنتين من خلال برنامج حول المعالم التاريخية أن هناك عشرة معالم تاريخية مهددة بالزوال في العالم وكان المسجد الأقصى أحد أهم هذه المعالم وانتهى البرنامج بعبارة (زوروا هذه الأماكن قبل أن تزول ) .
أيها المرابطون أيها الشرفاء في ساحة الأقصى لا تنتظروا من العرب أو المسلمين شيئا فهي أمة نائمة .
أخبروني ماذا نفعل إذا نفذ الصهاينة تهديداتهم فقاموا بتدمير المسجد الأقصى وهدمه هل نكتفي بدعوة مجلس الأمن إلى الإجتماع أم نكتفي بالدعوة إلى قمة عربية .
أيها الفلسطيني إغضب لا تستسلم ولا تركع .. فإنك إن ركعت اليوم سوف تظل تركع بعد آلاف السنين … إغضب فإن الناس حولك نائمون وكاذبون وعاهرون ومنتشون بسكرة العجز المهين .
إغضب إذا صليت في المسجد الأقصى أو عانقت كعبتك الشريفة مثل كل المؤمنين … إغضب فإن الله لا يرضى الهوان لأمة كانت ورب الناس خير العالمين فالله لم يخلق أمة القرآن كي تستكين .
إغضب إذا لاحت أمامك صورة الكهان يبتسمون والدنيا خراب والمدى وطن حزين . إبصق على الشاشات إن لا حت أمامك صورة المتنطعين .
إغضب إذا لاحت أمامك أمة مقهورة خرجت من التاريخ باعت كل شيء … كل أرض … كل عرض … كل دين .. فإنك إن تركت الأرض عارية .. لسوف يضاجعها المقامر والمخنث والعميل وتجار الأوطان .
سافرتُ في كل العصور وما رأيتُ سوى العجب . ورأيتُ حربا بالكلام وبالأغاني والخطب .
ورأيتُ من سرق الشعوب ومن تواطأ ومن نهب . ورأيتُ من باع الضمير ومن تآمر ومن هرب . ورأيت كهانا بنوا أمجادهم بين العمالة والكذب ورأيتُ من جعل الخيانة قدس أقداس العرب. ورأيت تيجان الصفيح تفوق تيجان الذهب … إغضب إغضب إغضب … الشاعر فاروق جويده .
حقائق مؤلمة:
في المخطط الثاني لمدينة القدس عام 1946 توزعت ملكية الأراضي في القدس كما يلي
1: أملاك عربية 40%
2: أملاك يهودية 26.1%
3: أملاك مسيحية 13.86%
4: أملاك حكومية وبلدية 2.9%
5: طرق سكك حديدية 17.12%
وفي نهاية عام 1948 كانت القدس قد تقسمت الى قسمين وتوزعت حدودها نتيجة لخط وقف إطلاق النار الى
1: مناطق فلسطينية تحت السيطرة الأردنية 11.48%
2: مناطق فلسطينية محتلة من قبل إسرائيل 84.12%
3: مناطق حرام ومناطق للأمم المتحدة 4.40%
وبعد حرب 1967 احتلت اسرائيل شرق القدس العربية وبدأت خطوات تهويد المدينة فبدأت في التخطيط الإستراتيجي القائم على زرع ثلاثة أطواق استيطانية الطوق الأول يطوق منطقة الحرم القدسي الشريف والبلدة القديمة والثاني يطوق الأحياء العربية في القدس والثالث يطوق القرى العربية المحيطة بالقدس.
فبعد الإعلان عن توسيع حدود بلدية القدس بتاريخ 28/6/ 1967 تم رسم حدود البلدية لتضم أراضي 28 قرية عربية وإخراج جميع التجمعات السكانية العربية وبدأت الجرافات الإسرائيلية في رسم المعالم في تهويد القدس فتحولت المباني اليهودية الى مراكز عسكرية بنيت لتكون جداراً عاليا أمام الجانب العربي لتكون في مواجهة المنطقة العربية وعلى طول خط الهدنة
كما تم إنشاء عدد كبير من الأحياء الإستيطانية والمستوطنات على رؤوس التلال والأودية التي يسهل الدفاع عنها وعلى أنقاض ما هدم من أحياء وقرى عربية وما تم اغتصابه من الأراضي الفلسطينية
فأقيم في الجهة الشمالية من القدس حي أشكلول ملاصقا لحي الشيخ جراح وأقيم على جبل سكوبس والتلة الفرنسية حي شابيرا الإستيطاني . إضافة الى تجمع استيطاني كبير على جبل الزيتون وتجمع آخر باسم راموت على أراضي النبي صموئيل ومستوطنة بإسم عتاروت على أراضي الرام وبيت حنينا كما أقيم حيان على أراضي جبل المكبر وأقيم تجمع حي ثالث بإسم جيلا على أراضي بيت صفافا ثم عادت البلدية في القدس لتقر بناء حيين استيطانيين على أراضي الشيخ جراح وعلى القسم الأوسط من جبل المشارف
كما تم زرع عدد كبير من المستوطنات في الطوق الثالث على أراضي قرى يالو وعمواس وبيت نوبا وجبل المكبر وصور باهر وشعفاط وعناتا والخان الأحمر ومخماس والرادار
ولا تتوقف حدود المستوطنات اليهودية عند الشكل الذي أقيمت عليه بل هي في نشاط توسعي دائم يقابلها الإعلان عن مساحات خضراء داخل وحول الأحياء العربية وفي وسط المدينة يتم هدم البيوت فيها ويتم تفريغها من سكانها الفلسطينيين عن طريق سحب الهويات والتهجير . وبعد عمليات المصادرة والشراء والتحويل الى القضاء وفرض الرسوم والمخالفات المفبركة وفتح الطرق والخدمات والبناء ضمن الأحياء العربية. أصبح الفلسطينيون في القدس العربية يشكلون الأقلية القابضة على الجمر يعيشون خلف القضبان والأسلاك الشائكة وبعد أن كانوا يسيطرون على 100% من الأراضي العربية عام 1967 أصبحوا يسيطرون على 21% من الأاضي العربية عام 1995.
وفي عام 1992 تم الإعلان عن المشروع الإستطاني الجديد والذي يحمل اسم ” بوابات شارون ” وهو يشمل بناء 500 وحدة استيطانية أسفل بيت العفيفي حتى مدرسة المأمونية الجديدة وبناء 900 وحدة ما بين شارع وادي الجوز والمنطقة الصناعية والشيخ جراح . وبناء 400 وحدة في وقف السعديات باتجاه محطة الديسي وبناء مستوطنة عند تقاطع رامات إشكول ووادي الجوز – رام الله . ويتحدث المشروع عن شق الشوارع للوصل بين الأحياء الإستيطانية مما يساهم في تفتيت التجمعات والأحياء العربية بشكل شبه نهائي
وبعد اتفاق أوسلو جرت مصادرة واسعة لأراضي داخل القدس وتم تحويل عشرة آلاف دونم منها لصالح الإستيطان ونحو ثلاثين ألف دونم لأغراض عسكرية ومحميات طبيعية تشكل احتياطا للإستيطان.
ومع حلول عام 1996 كان قد جرى بناء إحدى عشرة ألف وحدة سكنية للمستوطنين في القدس وحولها كما تم الإعلان عن خطة جديدة تخترق هذه المرة الأحياء العربية من الداخل حيث يتم توسيع رقعة الإستيطان في سلوان المتاخمة لسور البلدة القديمة ومنطقة أم حورون داخل حي الشيخ جراح وفي منطقة راس العامود وهو يحقق وصلا بين البؤر الإستيطانية في البلدة القديمة والمستوطنات والأحياء الإستيطانية خارج القدس.
ولم يكتف الإسرائيليون بأسر الأقصى والصخرة المشرفة والمباشرة في عمليات الحفر والبحث عن الهيكل . وإنما أحكموا السيطرة عليها من الخارج وأصبحت الطيور غريبة في الأوطان. كما عمدت الى شراء بعض الأراضي التابعة لعدد من الكنائس داخل القدس .
ومن المؤلم أن نسبة الفلسطينيين لليهود في القدس لا تتجاوز 22% وهي تتقلص بشكل كبير حتى أن الدراسات تشير أن عدد الفلسطينيين عام 2020 لن يتجاوز 10% .
وتمثل هذه المشاريع 15% من الأراضي العربية أي أن ما تبقى في اليد العربية يمثل 6% حتى ما تبقى لا زال خاضعا الى أقسى أنواع قوانين التخطيط والقيود على رخص البناء ومصادرة الأراضي فلا يصرح للفلسطيني ببناء أي بناء يزيد على ثلاثة طوابق بينما يسمح لليهودي ببناء ثمانية طوابق
لقد تم تدمير حي المغاربة و الكثير الكثير من الأحياء العربية لتستمر قائمة الإستيطان مستوطنة وراء مستوطنة وتستمر قائمة الإستيطان من النبي يعقوب وراموت وجيلو ( تم بناؤها على اعتبار أنها أملاك غائبين وهي من أكبر المستعمرات وتشرف على بيت جالا وبيت لحم) وتلبيوت الشرقية ( كانت هذه الأرض خاضعة لقوات مراقبة الهدنة وتم الحصول عليها من الأمم المتحدة) ومعلوت دفنا ( أقيمت على الأراضي التي صودرت من العائلات العربية المقدسية ) والجامعة العبرية وشعفاط ورامات اشكول ( أول المستعمرات التي بنيت مع مستعمرة جبعات همفتار للسيطرة على الشارع العام الواصل بين القدس ورام الله ) ومستعمرتا بسجات زئيف وبسجات عومر( اللتين أقيمتا على أراضي قرى بيت حنينا حزما وعناتا) وعطروت وجبعات هماتوس ( التي أقيمت على أراض تعود ملكيتها الى قرية بيت صفافا ومدينة بيت جالا) ومستعمرة هار حوماه ( تم استملاك أراضي القرى العربية صور باهر . أم طوبا وبيت ساحور) ومستعمرة التلة الفلسطينية والتي تعتبر من اوائل المستعمرات التي أنشئت في القدس والتي أقيمت على أراضي قريتي لفتا وشعفاط ) ومستعمرة مشروع ماميلا ( قرية داوود) بنيت في المنطقة الحرام كي يتم دمج القدس الشرقية بالقدس العربية. وتم تحويل إسم حي سلوان إلى ( عير دافيد ) مدينة داوود وشرع الصهاينة ببناء منازل لليهود بعد أن تم هدم 400 منزل لسكان القدس الفلسطينيين وهناك أكثر من 2200 منزل فلسطيني مهدد بالهدم بحجة البناء غير المرخص .
لقد نصبوا ما سموه بشمعدان الهيكل بالقرب من المسجد الأقصى أمام باب المغاربة استعدادا لنقله داخل الهيكل الثالث المزعوم وتم إنهيار طريق باب المغاربة بسبب الحفريات المتواصلة .
لقد بلغ عدد المواقع والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية في نهاية عام 2013 / 517 موقعا . أما عدد المستوطنين المستعمرين فلقد بلغ 900 ألف مستوطن . أما اليوم فقد تجاوز تعدادهم المليون ومائتي ألف مستعمر .
إن جدار الظلم الصهيوني يمتد 780 كيلومتر وأن مساحة الأراضي الفلسطسينية المعزولة والمحاصرة بين الجدار والخط الأخضر بلغت 680 كيلو متر مربع . ويحرم الجدار العنصري الصهيوني أكثر من 50 ألف من حملة الهوية المقدسية من الإقامة بمدينة القدس .
لقد وضعت الحكومة الصهيونية وبلدية الإحتلال في مدينة القدس مشروعا استيطانيا خطيرا من أجل السيطرة على المسجد الأقصى ومقبرة باب الرحمة وباب الأسباط والإلتفاف على إدارة الأوقاف الإسلامية لنزع صلاحياتها في المسجد الأقصى وإنشاء إدارة مشتركة صهيونية مسيحية ( إسلامية) تمكن الصهاينة من دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه وبناء هيكل نموذجي بين قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك وتطبيق التقسيم الزماني والمكاني للقدس وإغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين الفلسطينيين وفتحه على مدار الساعة أمام المستوطنين اليهود والسواح الأجانب .
إن ما ينطبق على مدينة القدس ينطبق على كل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
ويستمر البناء في الجانب الإسرائيلي ببناء الجدار على الحدود الأردنية وتستمر المأساة في الجانب العربي وتذوب القدس والأمة العربية تعيش شتاء الثورات بينما تعيش المنظمة وحماس جحيم الإنقسام ويدفع الشعب الفلسطيني الثمن
لقد تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتم ضم مرتفعات الجولان السورية العربية إلى السيادة الإسرائيلية ونتنياهو مصمم على ضم المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ويعلن بكل صلافة أنه سيضم غور الأردن وإنه لمن المؤلم حقا أن نعلم أن ما تبقى من القدس العربية منذ عام 1967 لا يزيد على 2% من مساحة القدس العربية .
يا تلاميذ فلسطين علمونا بعض ما عندكم فنحن قد نسينا
علمونا كي نكون رجالا فلدينا الرجال قد صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا
يا تلاميذ فلسطين لا تبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا
نحن موتى لا يملكون ضريحا ويتامى لا يملكون عيونا