يستدعي الأردنيون الكرامة المعركة، يحتفلون بأبطالها وشهدائها، وينعشون ذاكرتهم بالانتصار، الكرامة ليست مجرد معركة خاضها “العسكر” ببسالة، وسجلوا بدمائهم تاريخا جديدا للشرف العسكري، والعربي أيضا، ولا واقعة فاصلة أثبت فيها الأردنيون أنهم الأقوى عزيمة، والأشد شكيمة، الكرامة عنوان للأردن منذ آلاف السنين، تأسست على أساسها دولتهم، وترسخت كسمة أصيلة لشخصيتهم، فكرامة الأردني الذاتية جزء من كرامته الوطنية، والعكس صحيح أيضا. استدعاء الكرامة المعركة، بالنسبة للأردنيين، مهم لاستئناف الكرامة القيمة والإنجاز، الأولى كانت جولة انتصرنا فيها على العدو الغاشم، أما الثانية فهي جولات، ورحلة طويلة في طريق الاستقلال والتحرر والتنمية، فلا كرامة بلا عدالة وبلا إرادة،، ولا كرامة مع فساد تحول إلى “متاهة”، بموازاة فقر وجوع لا يرحمان، ولا كرامة مع إحساس بالظلم والاقصاء والتهميش، ومع خوف من حاضر، أو على مستقبل غامض. خرجنا من الكرامة المعركة مرفوعي الرأس، واثقين بأنفسنا وبلدنا، موحدين مع قيادتنا، وقادرين على تحديد مواقع أقدامنا، ومنذ ذلك الوقت دفعنا ثمنا باهضا لسياسات انحرفت عن مسارها، ولظروف أخرجتنا من معادلة الصراع مع العدو الحقيقي، وكبّلت أيدينا باستحقاقات، أصبحنا عاجزين أمامها عن التقاط أنفاسنا، كل ذلك كان نتيجة الإحساس المغشوش بـ”الاستضعاف”، حيث تخيلنا أننا غير قادرين على استيلاد ما نستحقه من مشروع، وانتزاع ما نريده من حقوق، والاستثمار فيما زرعناه بأيدينا في “الكرامة”، وما زرعته الكرامة في تربتنا من همة وطموح وأمل. يحتاج الأردنيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لاستحضار الكرامة المعركة، بكل من نفخ فيها الروح: بسالة الجندية، وشجاعة المزارع، وشهامة المعلم، وعزة النشميات الأردنيات، يحتاجون، أيضا، لتذكير الذين يتربعون على مقاعد المسؤولية، بأنهم: الجندي والمزارع والمعلم والعامل، هم “كبار البلد” وكراسيه، على أكتافهم تأسست ونهضت، ومن عرقهم وتعبهم استمدت قوتها وصمودها، وهم باقون فيها ما بقيت الكرامة شاهدا على نصب الجندي المجهول، هذا الأردن لم يكن بيوم من الأيام “بازارا” للمزايدات والاستعراضات، ولا سوقا لمن كسب وهرب، على ثراه مرت قوافل فتوحات الكرامة، وسجد الفاتحون من الصحابة والتابعين سجدتهم الأخيرة. بوسع الأردنيين الذين أدركهم اليأس، وأطبقت على رقابهم مصائد الكيد والشك والخوف، أن يدققوا بمشهد الكرامة المعركة، كيف انتصر أجدادهم وآباؤهم بالقليل من العدد والعتاد، كيف تجاوزوا عقدة العدو الذي لا يهزم، فلقنوه أقسى الدروس بالصبر والصمود والتصدي، بوسعهم أن يعتذروا لهم عما انتهت اليه معنوياتهم، وعن حالهم البائس الذي استغرقوا فيه، ليستردوا من جديد وعيهم وطاقاتهم، ويتحرروا من عقدهم، ويصنعوا كرامات جديدة تليق بهم، وببلدهم أيضا. من تحت ركام الإحساس بالعجز واليأس، ووطأة النكبات والنكسات والخيبات، خرج الأردنيون، آنذاك، ليسجلوا أول انتصار على العدو المتغطرس، وأهم انتصار للذات العربية، كانت الكرامة إيذانا بانطلاق حالة جديدة من الوعي لدي الأردنيين، وهم اليوم يحتاجونها أكثر، لولادة مشروع دولة الكرامة، فنحن لم ننتصر في الكرامة لأننا الأكثر عددا أو عدة، وإنما لأننا الأقوى حقا وإرادة، والأقدر على فهم ما يربطنا بالأرض والشرف، ولأننا توحدنا، الرأس مع الجسد، والشعب مع ذاته، والفكر مع السلاح، وبوسعنا دائما أن ننتصر، وسننتصر إن شاء الله.