صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
السيدة الأولى ( سابقا ) في الصين الشعبية ( جيانج كينج 1914 – 1991 ) كانت ممثلة سينمائية ومسرحية، وهي ابنة غانية يعرفها الرجال الأثرياء في الصين الشعبية. التحقت بالحزب الشيوعي ودرست تعاليم ماركس ولينين، وتدربت على الأعمال العسكرية. كانت هذه السيدة طموحة بالحكم، فوضعت هدفها الوصول إلى رئيس الجمهورية ( ماوتسي تونج ) كي تصل من خلاله إلى السلطة، وتحقق رغباتها في حكم البلاد والتسلط على الشعب.
تمكنت السيدة كنج بذكائها من إقناع اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي، بالسماح لها في الزواج من الزعيم ماوتسي تونج، على أساس أنها هجرت السياسة إلى الأبد ولن تتدخل في أمور الدولة. لكنها بعد أن حققت هدفها بالزواج من رأس الدولة عام 1939، تسللت إلى السياسة مجددا وعبرت إليها من أبوابها الخلفية. ثم بدأت تظهر اهتمامها بالأدب والفن والتعليم، وإطلاق المبادرات المختلفة بين حين وآخر، فأصبحت في النهاية مستشارا ثقافيا لجيش التحرير الشعبي عام 1966.
ومن خلال مركزها الجديد أخذت تمارس دورا هاما في السلطة، تحت شعار ( ما يجب وما لا يجب ) وهو ما عرف بالثورة الثقافية، الأمر الذي مكّنها من الحصول على سلطات شخصية واسعة في أمور الدولة. وهكذا أصبحت السيدة كينج تشكل حكومة الظل، والمتحدث الرسمي باسم ماوتسي تونج، باعتبارها الحارس على فكره الثوري.
ثم عززت سلطتها فيما بعد بالتحاقها في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وأصبحت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وتحضر الاجتماعات التي تخص الدولة، وتصدر القرارات بتعيين وإقالة الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين من وراء الستار دون اعتراض من زوجها. فأصبحت شخصيتها تطغى على شخصية زوجها ذلك الزعيم العظيم، وهكذا أسقطت السيدة كينج هيبة الدولة.
توفي ماوتسي تونج عام 1976، وقبل مرور عشرة أيام على وفاته، ألقي القبض على الأرملة الشريرة ( جيانج كنج ) وأودعت السجن فيما عرف بقضية عصابة الأربعة، حيث وجه لها عدة تهم تتراوح بين تحطيم سلطة الحكومة وتبديد أموال الدولة، واستخدام العنف ضد الأفراد، باستخدام سلطة ليست ملكها.
أصدرت المحكمة حكما بإعدامها جراء ما ارتكبته من جرائم بحق الشعب، ولكن تم تخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد. وفي عام 1991 وُجدت السيدة الأولي ( جيان كنج ) مشنوقة في دورة مياه السجن، ودفنت في إحدى مقابر العاصمة تحت اسم مستعار، لكي لا ينتقم منها الشعب حتى وهي ميتة.
وإن كان هناك درس من تلك الحادثة يجب أن نتعلمه ، فهو : أن على كل مسئول أن يعرف حدود عمله وامتداد صلاحياته دون تجاوز لها، أو السماح لأي من مقربيه التدخل بشؤون الدولة. فالشعب واعٍ يراقب ويسجل في مفكرته، ما يمارسه المسؤول أو أقاربه من أخطاء في إدارة الدولة خارج حدود الدستور والقانون، فيحاسب عليها طال الزمن أو قصر. والشواهد على ذلك ماثلة أمامنا في دول عديدة، خاصة في العقد الأخير من هذا القرن. وهذا ما جاء التأكيد عليه في القرآن الكريم بقوله تعالى : ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
التاريخ : / 6 / 2019