صراحة نيوز – بقلم الدكتور محمد المعاقبة
لقد مضت عقود على إنشاء وزارة التنمية السياسية التي كان طموحها يتمثل في إعادة بث الروح السياسية في الجسد الوطني الذي أصابه الخدر و الحبور، فالأحزاب وممارستها لا تؤدي دورا ناجعا في الحراك الفكري والايدلوجية بل والاجتماعي كذلك الأمر من خلال؛ ثقافة المشاركة السياسية في كل المحطات الديمقراطية المهمة سواء كانت الانتخابات بشقيها: النيابية والبلدية أم انتخابات مجالس المحافظات، كل ذلك بغية ادماج الشباب بفعالية بقضايا الشأن العام باعتبارهم المورد البشري الأهم في إحداث التنمية المجتمعية بمختلف أشكالها..
لذا وأمام عجز لا تخطئه بصير نجد أن وزارة التنمية السياسية غائبة تماماً، بل هي وزارة متكلسة مجرد وجودها لم يعد ديكوراً، فقد غابت الرؤيا لديها وكذا عدم تبني استراتيجيات ذات أهداف محددة من أبرزها تراجع المشاركة السياسية الفاعلة لكافة شرائح المجتمع والبرهان كان لامعا الانتخابات النيابية الأخيرة.
إن سُؤال الحاضر مازال يعيد نفسه وبإلحاح، إلى متى وفشل وزارة التنمية السياسية سيبقى جاثما على صدورنا، فالوزارة تخفق حتى بث الأمل، وزيرها استطاع التحليق بطائرته بعيد عن الصواريخ الموجهة فعزل نفسه عن السرب الحكومي وعن المجتمع وعن الوطن، ولم يعد هناك من ينادي بإصلاح الاحزاب وبحفز الشباب وتنمية فكرهم وتعدده لصالح خريطة الوطن المستقبلية، وبالكاد يقف دورها على مسألتين لا ثالث لهما وهما: متابعة شؤون الإدارة الروتينية اليومية للأحزاب المرخصة دون تحفيز لهذه الأحزاب، والثانية إجراء دراسة علمية عن أسباب فشل وإخفاق الأحزاب السياسية في إحداث أي تأثير ملموس، وكان الأجدر بهذه الوزارة اجراء دراسات علمية مهنية تُبيّن نقاط الضعف والاخفاق وتسهم بتحديد وبناء استراتيجية في ضوء معطيات هذه الدراسات، فدورنا هنا لا يقف عن النقد والاغتيال بل يثمر الآن نصيحة ومقترح بعيدا عن أي شخصنة، فما رأيناه من هذه الوزارة ووزيرها كان اللاشيء بعينه!..
لقد بات بائنا ومعروفا للجميع أن هذه الوزارة من خلال تواصلها مع المؤسسات والمنظمات الدولية الداعمة جلبت مبالغ مالية طائلة وأنفقتها من خلال التشبيك مع إحدى مؤسسات المجتمع المدني على سبيل الحصر كما يُقال وأغلقت أبوابها بوجه باقي المؤسسات والجامعات العامة والخاصة، وأُختزل دورها على عقد ورش عمل لصالح احدى مؤسسات المجتمع المدني في فنادق عمان ولم تحقق هذه الورش أية أهداف لا لجهة بناء القدرات أو التأهيل والتدريب، فجاءت هذه الورش والدورات فقط لغايات تبرير الإنفاق أمام الجهات المانحة، لقد قُدّر لكاتب هذه السطور حضور بعض منها في فنادق عمان وعند طرحه لفكرة ضرورة التشبيك مع الجامعات للوصول للفئة الشبابية لم ترقِ لهم هذه الفكرة، علماً أن الحضور كان بترشيح من أم الجامعات.
وعليه، و أمام هذا الواقع المؤلم إن أردنا ترجمة الرغبة الملكية بالإصلاح وأوراق جلالته النقاشية وفي ضوء الإخفاق الكامل لهذه الوزارة فإن الحاجة باتت ملحة اليوم لإعادة هيكلتها بإعداد استراتيجية شاملة تنفتح بها.
كما على مؤسسات المجتمع وجامعاته كاملة إطلاق حوار وطني مع ضرورة إجراء دراسات دوريّة يتم من خلال قياس أداء الوزارة ومدى تحقيقها لأهدافها وبما يعكس الغرض الذي أنشئت من أجله، وبخلاف ذلك فإن حل الوزارة وإنهاء وجودها يكون أسلم للوطن ويحقق الرؤيا الوطنية في الإصلاح الإداري وترشيق الإدارة العامة الأردنية ويفسح المجال لغيرها من الجهات ذات الاختصاص والقدرة والفعالية للتصدي لهذه المسؤولية الوطنية ويحقق الدور الغائب المناط بهذه الوزارة من خلال ما يلي:
على غرار أمين سجل الجمعيات الخيرية يمكن إيجاد أمانة سجل للأحزاب السياسية بذات الطرق والوسائل المتبعة لدى أمانة سجل الجمعيات الخيرية، فكلاهما مؤسسات مجتمع مدني لابل يمكن تعديل الوصف لأمين سجل الجمعيات بإضافة أمين سجل الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية.
تفعيل المشاركة السياسية ونشر الوعي السياسي وترسيخ ثقافة المشاركة السياسية؛ كما ويمكن أداء هذه الاستراتيجية من خلال وزارتي الثقافة والشباب، ففي الجانب المتعلق بالشباب فإن وزارة الشباب بما لديها من مكاتب وفروع ومراكز هي الأكثر انخراطا وانفتاحا على المجتمع، كل ذلك بغية تحقيق هذه الاستراتيجية وفي الوقت ذاته يمكن لوزارة الثقافة أن تكون رافعة فاعلة ومؤثرة لكل النشاط النوعي المبني على المعرفة والفهم والتنوير.
إن الاخذ بهذه المقترحات ليهدم الحواجز التي أقامتها هذه الوزارة مع المجتمع ويخرجها من الغرف المغلقة وقاعات الفنادق ويحررها من نير العتمة التي ادخلها فيها وزير جيء به لينير لنا الطريق.
*أستاذ القانون العام المساعد
*كلية الحقوق/الجامعة الأردنية
*مدير مركز الاستشارات والتدريب