المقاومة الشعبية أو ما يُطلق عليها : حرب العصابات، أو حرب الفدائيين، أو حرب الأنصار، أو حرب الغوار، تلجأ إليها الدولة الواقعة تحت الاحتلال أو الاستعمار، بغرض طرده من أرضها واسترداد كرامتها وسيادتها الوطنية.
والمقاومة نشاط عسكري طويل الأمد، يجري خفية بين السكان المدنيين، شرّعتها القوانين والأنظمة الدولية، وهي نقيض للإرهاب الذي ينتهك حقوق الأنسان، ويقوّض الأمن والاستقرار في المجتمعات البشرية. و ُنظر إلى رجال المقاومة عادة من وجهتي نظر مختلفتين. ففي حين يصفهم المؤيدون بِ ( مقاتلي الحرّية ) يصفهم المحتلون أو المستعمرون بِ ( الإرهابيين ). وشتان بيت الوصفين من حيث طبيعتهما وأهدافهما.
لقد أثبتت أحداث التاريخ، أن الأوطان التي تُنتهك سيادتها، وتستباح أراضيها من قِبل دولة اجنبية، لا يمكن لها أن تتحرر وتستعيد كرامتها، إلاّ بنشوء مقاومة وطنية جريئة وفاعلة، يمارسها الشعب على أرضه ضد المحتل أو المستعمر.
وهناك الكثير من الأمثلة للمقاومة التي وقعت في العالم، ضد المحتلين أو المستعمرين، واستطاعت بتصميمها وشجاعتها، أن تحرر أوطانها وتحقق استقلالها وسيادتها. من هذه الدول على سبيل المثال : ايرلندا، أمريكا، فرنسا، فيتنام، كوريا، الصين، بولندا، بلغاريا، رومانيا، يوغسلافيا، إيطاليا، بلجيكا، النرويج، اليونان، وغيرها.
لخّص ماوتسي تونج – الأب الروحي لحرب العصابات والمقاومة الشعبية – استراتيجيته في هذه الحرب بالعبارات التالية : ” على رجل العصابات أن يكون صلبا كالفولاذ، قاطعا كالسف، بطّاشا كالنمر، مراوغا كالثعلب، هاربا كالأرنب، متحدثا لبقا، يستطيع أن يتحدث عن قضيته بلباقة، تُكسبه الأنصار والمؤيدين “. كما لخصها جيفارا بقوله : ” العصابات كالسمك تسبح في بحر صداقة الشعب “، بمعنى أن يساعدها الشعب في التخفي، وتأمينها بما يلزمها بسرية عند الاحتياج.
وعودة إلى تاريخنا العربي المعاصر، كي نربط الأحداث ببعضها، أذكّر أنه بعد فشل الدول العربية في حروبها الماضية، بتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة من يد العدو الإسرائيلي، لجأ الفلسطينيون إلى المقاومة الشعبية. فشكلوا في أواخر الستينات الماضية، منظمة التحرير الفلسطينية ( فتح ) بقيادة ياسر عرفات، إلى جانب العديد من المنظمات الفدائية الأخرى، ولكن دون اتفاق على قيادة موحدة تنظّم عملها النضالي، وتتبنى استراتيجية حرب العصابات ضد العدو المحتل.
وهذا المشروع القتالي هو الذي تبناه الشهيد وصفي التل – رحمه الله – وكان ينوي طرحه في اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة أواخر عام 1971. ولكن يد الغدّر اغتالته واغتالت مشروعه التحريري في مهده.
في وقت لاحق من النضال الفلسطيني قامت انتفاضتان في الضفة الغربية، الأولى ( انتفاضة الحجارة ) عام 1987، وكان سبب اشتعالها قيام سائق شاحنة إسرائيلي، بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز اريز.
في عام 1991 شارك الفلسطينيون كجزء من الوفد الأردني في مؤتمر مدريد للسلام، تلاها توقيع اتفاقية أوسلوا عام 1993، حيث توقفت الانتفاضة.
وفي عام 2000 انفجرت الانتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى ) عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية شارون ساحات المسجد الأقصى، وأعْلَن ” بأن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية “، فوقعت مواجهات عنيفة بين المصلين وقوات الاحتلال، امتدت إلى بقية المدن الفلسطينية، كما قامت المقاومة الفلسطينية بهجمات داخل المدن الإسرائيلية أوقعت الرُعب في نفوس الإسرائيليين، ولم تتوقف الانتفاضة إلاّ في بداية عام 2005.
استمرت المفاوضات العبثية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية، على أمل التوصل إلى سلام عادل وشامل، ولكن لم يتحقق شيئا من هذا، وكل ما تحقق هو اعتراف فلسطين بدولة إسرائيل، واعتراف إسرائيل بكون منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة للشعب الفلسطيني، مع رفع علمها بألوانه الأربعة، وفرش السجادة الحمراء لتحية الرئيس في الزيارات البروتوكولية.
توفي الرئيس عرفات في أواخر عام 2004 وتولي رئاسة منظمة التحرير محمود عباس، فسار على طريق سلفه، واستمر بالمفاوضات العبثية مع إسرائيل، لا بل حرص على توثيق التعاون الأمني المعلن مع إسرائيل، وقمع شباب المقاومة، ومنعهم من القيام بأية عملية ضد الإسرائيليين والقاء القبض عليه ومحاكمته.
واليوم بعد كل ما جرى خلال ما يزيد على نصف قرن، وبعد أن تمادى الأعراب في غيّهم، يتسابقون على الارتماء في أحضان إسرائيل، ووصول القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود، لم يعد أمام الفلسطينيين من حل سوى اللجوء إلى خيارهم الاستراتيجي الوحيد، ألا وهو الاعتماد على النفس وإشعال انتفاضة ثالثة، ترهب المحتلين الذين يدنسون ساحات المسجد الأقصى، مسرى ومعراج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
لقد كانت العمليات الفدائية التي نفذها الشباب الفلسطينيون الأبطال – رحمهم الله – خلال الفترة الأخيرة في عمليات : الدهس والطعن بمدينة بئر السبع، وعملية الخضيرة في شمال فلسطين المحتلة، وعملية بني براك قرب تل أبيب، وأخيرا عملية ديزنغوف في تل أبيب، بوادر انتفاضة ثالثة قادمة امتثالا لقوله تعالى :
( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بالآخرةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ). فليقدم الشباب الفلسطينيين على أعمال المقاومة والجهاد في سبيل الله والوطن، حتى وإن كان الثمن عشرة شهداء فلسطينيين، مقابل قتيل إسرائيلي واحد فأنتم الرابحون.
من المؤسف والمحزن . . أن تتسابق بعض دول العربان وفي أولها ( المجاهد الكبير ) رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في استنكار تلك العمليات الاستشهادية ووصفها بالإرهابية، متناسين جميعا أنها تمثل ( المقاومة ضد المحتل )، التي شرّعتها التعليمات السماوية والقوانين العالمية.
علما بأننا لم نسمع في هذا السياق من هؤلاء المستنكِرين، استنكارا لاقتحامات ساحات المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، من قبل قطعان اليهود في شهر رمضان.
ختاما أقول : رحم الله الشهداء الأبرار وأسكنهم جنات الفردوس الأعلى، ولنتذكر قوله تعالى :