صراحة نيوز – بقلم النائب السابق جميل النمري
يبدو ولي العهد السعودي مثل بلدوزر لا يقف أمامه شيء وها هو إلى جانب الجبهات المفتوحة داخليا وخارجيا يقتحم بإقدام مذهل جبهة الخصوم في الصف الأول من العائلة المالكة، ولا بد ان قماشة الرجل غير معهودة بين رجال الحكم في السعودية الذين تميزوا دائما بالأناة والتمهل والمحافظة والحذر. وخصوم الرجل في الخارج يرون فيه شخصية متعجلة. لكن التاريخ يحكم في ضوء النتائج التي ستقول هل ماحدث كان تهورا أم جرأة فطينة.
حتى الأمس كان النظام السعودي شيئا آخر. ملكية أوتوقراطية لها صيغتها المحلية التي لا تشبه الا نفسها. العائلة المالكة كلها في السلطة تتبع نظام تدوير صارم جعل العرش يحتجز لقرن كامل عند الجيل الأول من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز مع هامش مكتوم للصراع بين الأبناء على المناصب والادوار، حتى جاء محمد بن سلمان فكسر القاعدة أولا بصعوده السريع دون اخوانه الأكبر سنا، ثم الى ولاية العهد دون أعمامه وأبناء أعمامه فتحققت أول انعطافة في تاريخ المملكة بانتقال الولاية الى الخط العمودي في فرع واحد، وهو الشيء الذي كان لا بد أن يحدث لاستقرار نظام الحكم، لكن متى وعند من يتوقف التدوير عند أحد أبناء عبدالعزيز أو العدد الوافر من أبناء العمومة الذين كان آباؤهم ملوكا؟! يبدو أن هذه الخطوة انتظرت حتى جاء الشخص القادر عليها وقد فعلها.
أمس أظهر ولي العهد الشاب شكيمة مذهلة بالإقدام على توقيف هذا العدد من أمراء صف أول آخرين لا يمكن مسهم حتى أول من أمس. وأظهر ثقة عالية بالنفس بإصدار أوامر توقيف رسمية بتهم الفساد مع مراعاة موقعهم الرفيع بحجز أفخم فندق 5 نجوم في الرياض سجنا لهم.
اشتعلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أمس بالتعليقات، ولعل الأمر الأكثر غموضا وإرباكا يتصل بوضع رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري وعلاقته بما حصل. التعليقات لم تُعِرْ تهم الفساد اهتماما باعتبارها ذريعة لتوقيف المعارضين مع أن الفساد قد يكون موجودا. وأثار التساؤل توقيف شخصيات اقتصادية كبرى ليس لها شأن بالصراع على السلطة وهو ما غذّى الحديث عن أن المستهدف هو ثروات هؤلاء، لكن هذا ليس منطقيا كسبب منفرد وقد يكون أن المعتقلين متورطون في شراكات فاسدة.
الموقف يحبس الأنفاس ويكاد التحليل يعجز عن المغامرة بأي توقعات.
مبدئيا يبدو ولي العهد واثقا من قدرته على تحييد الخصوم الذين سيقتنعون بعد بعض الوقت أن العجلة لن ترجع الى الوراء وانهم ليسوا شركاء في السلطة وفي القرار بعد اليوم.
اذا نظرنا للأمر من زاوية مشروع تحديث المملكة الذي يقدّم ولي العهد نفسه كرائد له فإن انشاء دستور للمملكة يعطي المعنى الكامل لمشروع التحديث وأيضا الالتفاف الشعبي الكامل الذي يسحب البساط بالكامل من تحت أرجل المعارضين والمنافسين بما في ذلك قوى الشد الديني التي قد تتحالف مع الأوساط المعارضة في الأسرة المالكة.