صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ” دولة المواطنة” ، من خلال الرؤية الملكية المطروحة في ” الأوراق النقاشية” ، والاشارات الصريحة في التحليلات والتعليقات والمقالات حول استهداف بنود ” صفقة القرن ” المساس بالهوية الأردنية ، بمسميات عدة يتم طرحها حاملة في طياتها الغاء تسمية ( الأردن )؛ بتغليب الهوية الوطنية الجامعة التي تصهر بعضنا في كلنا ، بالغاء الأقليات في الهوية الوطنية الجامعة ، والقضاء على الهويات الفرعية القائمة على العشائرية والجهوية .
يحتاج الوصول الى ” دولة المواطنة ” – كما اشير اليها في الأوراق الملكية – الى ” تكوين مجتمع ديمقراطي ” وصولا لاحزاب قادرة على تشكيل حكومات برلمانية ، ولغياب الحياة الحزبية الفاعلة عن الساحة الأردنية لسنوات ، فالأمر يحتاج الى تطوير الأحزاب السياسية على أساس برامجي وقيادات مؤهلة تستقطب غالبية الأصوات ، وهذا يحتاج الى مزيد من الوقت لاقناع الناس بالانضواء تحت مظلات حزبية وطنية فاعلة ، كما يحتاج لعدة دورات انتخابية لانضاج هذه المبادرة واستقرارها ، قبل ان نصل الى تشكيل حكومات برلمانية .
إن الوصول الى حياة ديمقراطية وتعددية حزبية ، وسيادة القانون ، لا يحتاج فقط إلى تعديل الدستور الذي يُعكف حاليا على تعديل بعض مواده دون المساس بالتعديلات الأخيرة الخاصة بصلاحيات تعيين مديري الأجهزة الأمنية، والذي من المتوقع التوقيع عليها في جلسة استثنائية لمجلس النواب في شهر رمضان المبارك المقبل.
إن المعضلة الكبرى التي تواجه ” المواطنة ” هي أن توجهات القوى الشعبية ما زالت تتمحور بين الموافقة والرفض للفكر الحزبي القائم على القضاء على الهويات الفرعية أو العشائرية والجهوية ، وبدء الحديث عن هويات حزبية قائمة على الالتقاء الفكري ، بهدف الغاء الهوية الوطنية الأردنية.
ولو استرجعنا الأحداث السابقة ، فاننا لا ننكر أن الأجهزة الأمنية هي التي قضت على الفكر الحزبي الذي كان سائدا في الأردن لسنوات طويلة ، وقبل إعلان تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 ، ففي عهد الحكومة الفيصلية ـ وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وافتضاح أمر اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور- ،انتضم بعض الأردنيين في حزب الاستقلال السوري، وعندما أنشأت الإمارة تم تأسيس فرع لهذا الحزب في الأردن، حيث شارك بعض أعضائه في أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع عام 1921.
وشهدت التجربة الحزبية في الأردن نشاطا فاعلا مع ظهور عدة تيارات حزبية ، الى أن أعلنت حالة الطوارئ في الأردن عام 1957، فغاب النشاط الحزبي عن الساحة الأردنية ، وعلى إثره اعتقل حزبيون ، وزج بهم في السجون ، (وشهدت صحفنا اعلانات الاستنكار للأحزاب )، وحتى بعد اطلاق سراحهم حُجزت جوازات سفرهم ، وتم منعهم من التعيين في الوظائف الحكومية ، لتصل الأمور إلى محاربتهم في لقمة عيشهم والتضييق عليهم ، لكونهم ينتمون إلى تيارات حزبية فقط ، وعادت مظاهر الحياة الديمقراطية والبرلمانية من جديد في العام ١٩٨٩ ، وتعمقت بصدور قانون الاحزاب في عام 1992 ، بعد عقود طويلة من توقف الحياة الحزبية ، وتأسست الأحزاب إلا أن غالبيتها لم تكن فاعلة.
واليوم ، وسعيا للقضاء على “المعارضة” التي تشهد حالة من النماء والانتشار ، ولغايات الوصول إلى حياة برلمانية حزبية ، جاءت الدعوة و” بكبسة زر ” إلى الاسراع في طرح مشروع” المواطنة” وانجازه ، بحيث يتحول المواطن الأردني تجاه الفكر الحزبي ، وهذا الأمر ليس جريمة ، إلا أن المقلق أن يكون الهدف منه القضاء على الانتماءات والولاءات العشائرية أو الجهوية، سعيا إلى استهداف ” الهوية الأردنية ” بذريعة أنها قائمة على العشائرية والجهوية .
لقد بوشر تنفيذ ” مشروع المواطنة ” منذ اصدار هويات الأحوال المدنية ” الذكية ” التي تخلو من خانة الديانة التي تمثل الهوية الدينية للدولة ، واقرار ” قانون اللامركزية ” 2015، الذي يهدف إلى فصل الخدمات عن التشريعات ، بحيث تناط الخدمات بالبلديات ورؤسائها ، فيما التشريع السياسي يذهب إلى نواب البرلمان ، الذين سيتم اختيارهم على أسس سياسية وحزبية ، بعيدة كل البعد عن الطريقة النمطية السائدة في الاختيار على خيارات العشيرة والعائلة ، علما أن غالبية ثلثي المجلس يتم اختيارهم من قبل جهات أمنية ، حيث اعترف مدير المخابرات السابق – السجين – محمد الذهبي بتزوير انتخابات 2007 .
وفي الختام ، عن أي مواطنة تتحدثون ؟!! وأي هوية تستهدفون ؟!!.. فالهوية والمواطنة وجهان لعملة واحدة .