صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
أغلبية الأردنيين لا يثقون بالحكومة (وربما بكثير من مؤسسات الدولة)، هذا الخبر ليس عاجلا، ولا مفاجئا، ولا صادما، فعلى امتداد السنوات المتتالية (الحكومات: أدق) تكررت إشهارات عدم الثقة، عبرت عنها استطلاعات الرأي، وأصوات الناس في الشارع وعلى وسائل الإعلام والتواصل، وسمعتها – بأذني- من كل المسؤولين الذين التقيتهم على اختلاف مواقعهم، فيما ظل يراودني سؤال واحد، وهو: ماذا ننتظر؟
قبل الإجابة، أرجو أن يلاحظ القارئ الكريم أنني تجاوزت -عن قصد- أرقام استطلاعات الرأي الأخيرة ( استطلاعي مركز الدراسات الاستراتيجية ومركز راصد)، وهما حول الموضوع نفسه، تجاوزت أيضا البحث عن أسباب عدم الثقة بالحكومة وبغيرها من المؤسسات والسلطات والفاعلين في المجال العام، وتجاوزت ثالثا ظاهرة المساهمين في انتشار الفساد وأزمة الاقتصاد، وتصاعد قلق الأردنيين على أمنهم الاجتماعي، وتقارير “حالة البلاد”، وغير ذلك من المؤشرات التي تحتاج الى وقفات أخرى، السبب أن كل ذلك أصبح معروفا ومكشوفا، وأن إعادة التذكير به يدخل في باب ” لزوم ما لا يلزم”.
سؤال ماذا ننتظر، لا ينطوي -فقط – على استفهام لما جرى أو استنكار له، وإنما على الخوف من عدم الإحساس بالأخطار المقبلة التي تهدد بلدنا، ويبدو أننا ما نزال نتجاهلها، او – على الأقل- نتعامل معها بمنطق التأجيل والتسويف، إذ لا يمكن لأحد أن يصدق أن اجتماع آراء أغلبية الأردنيين على عدم الثقة بمؤسسات الدولة، وعلى أننا نسير في الاتجاه الخطأ، سيمر هكذا دون أن تستنفر الدولة جهودها وإمكانياتها للإجابة عليه، وتطمين الناس بأن” التغيير سيتم فورا، وهذا ما لم يحصل للأسف حتى الآن.
هذه “اللامبالاة” هي مصدر الإحساس بالخطر، لأنها تؤشر على افتقاد بعض مؤسسات الدولة “لمجساتها” ولواقطها، ثم على الاستهانة بواقع المجتمع وآراء أغلبية الأردنيين، والأهم أنها تبعث برسالة مفادها ” قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد”، ما يعني أن المسؤولين عن إدارة الشأن العام استقالوا من واجباتهم، لا بل وتنمروا على المجتمع الذي يفترض أن يستمدوا منه شرعية مواقعهم، ولو كان الأمر عكس ذلك، لتحركوا لمخاطبة الناس وتبرير مواقفهم، أو تصحيح مساراتهم، أو الاعتذار عن تقصيرهم، أو الاستقالة من مناصبهم إذا تعذر عليهم الاستمرار فيها.
إذا سألتني عن الخطر الذي أخشاه، يكفي أن أذكر بما حدث حولنا في السنوات العشر المنصرفة- وما يزال حتى الآن-، فمن باب الاستهانة بالمجتمع، وربما إهانته أيضا، وتجاهل أصواته وأنينه ومطالبه، دخلت ” شرور” الانقسامات والصراعات والانفجارات الاجتماعية، ودفع الجميع ضريبة عدم الثقة، وعدم الاعتراف بالخطأ وإصلاحه، وعدم التوافق للوصول الى “كلمة وسواء” تحافظ على وجود الدولة واستقرارها، وتجنبها امتداد الأيدي الخبيثة، ومراكب التدخل السريع، المحلية منها والأجنبية.
“صرخات” عدم الثقة التي لا تسلم منها حكومة أو مؤسسة، لم تكن موجهة – فقط – للأشخاص الذين يتبؤون مواقعهم فيها، وإنما للإخفاقات والتراجعات بالأداء العام، وآليات اختيار المسؤولين وتشكيل الحكومات، كما أنها موجهة “للنخب” السياسية والأكاديمية والإعلامية التي انعزلت ولم تقم بواجبها كما يجب لتصحيح المسار، فمن أسف أن الناس، وفي مقدمتهم النخب، لا يثقون ببعضهم أيضا، ولهذا فإن صرخة عدم الثقة هي اقسى صرخة يمكن أن نسمعها تتردد في مجالنا العام والخاص معا، وأكاد أقول إنها لا تقل خطرا عن عشرات صرخات الانتحار التي شهدناها في الاعوام الماضية.
من المفارقات أن الحكومات في بلادنا تنال ثقة أغلبية مجلس النواب، فيما يصرخ أغلبية الأردنيين بأنهم لا يثقون بها، ومن المفارقات أيضا أن هذه “اللاثقة” تطيل في أعمار الحكومات، ولا تهز شجرتها، فهل يكفي هذا للإجابة علي سؤال : ماذا ننتظر؟