صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
بدا من الواضح أن حكومتنا الجديدة سارعت إلى إرضاء الناس، والاستجابة لمطالبهم في الشارع؛ خوفا من حالة الغضب المتراكمة بعد إسقاط الحكومة السابقة، والتذمر من تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك بعقد هدنة مع الشعب لكسب الرضا الشعبي، بإطلاق جملة من الوعود، و” التسويفات ” ، معتقدة أنها اصلاحية ، لكنها في الواقع لا تتعدى كونها ملامسة للمطالب الشعبية .
إلا أن هذه التطمينات الحكومية؛ لم تلق لدى الشارع أي صدى ايجابي يذكر ، خاصة بعد الإحباط الذي اصابه عقب الاعلان عن التشكيلة الحكومية الصادمة ، كونها لا تشير إلى نيات حسنة في المضي قدما بطريق الإصلاح السياسي ، فكانت الصدمة بمقدار رفع سقف التوقعات والآمال، التي حصلت عليها حكومة الرزاز منفردة دون غيرها من الحكومات ، فتبددت أحلام المواطن بإحداث أي تغيير إيجابي في النهج، والسير في طريق الإصلاح ،أو أن تتحقق له حياة فضلى، أو تزيل ما يحيط به من ظلام ، فتزداد درجات الاحباط بصورة متوالية ، اذ باتت الإصلاحات مجرد حبر على ورق .
أرادت الحكومة أن تنشر الطمأنينة بين المواطنين ، فبادر رئيسها لعقد مؤتمر صحفي في أول يوم عمل لحكومته ، للتوصل لاتفاق هدنة بينهما ، وحتى تكسب المزيد من الوقت؛ بهدف إيجاد مخارج ترضي الشارع الذي قدم الكثير من المطالبات ، إلا أن ما جاء في بنود الهدنة من وعود يخلو من سياسات واقعية تحفز على النمو الاقتصادي ، ويضع حلولا جذرية لمشكلة غلاء الأسعار، وكيفية ايجاد موارد لسد العجز في الميزانية ، واختزلت الحكومة المطالب الشعبية في سحب قانون ضريبة الدخل .
صحيح أن قانون الضريبة ونظام الخدمة المدنية ، كانا من أوائل المطالب الشعبية ، إلا أن هناك مطالب أخرى تغافلت عنها الحكومة، وأهمها ارتفاع الاسعار عامة، التي تولدت من ارتفاع تسعيرة المشتقات النفطية الشهرية، التي يبنى عليها ارتفاعات كثيرة في السلع .
إن جملة التسويفات التي اطلقتها الحكومة على لسان رئيسها ، لم تحمل حلولا جذرية، واقتصرت على سحب مشروع قانون ضريبة الدخل للتشاور ، مما يعني أن المعركة ستبقى قائمة إلى ما بعد انتهاء التشاورات والاعلان عن البنود التي سيتم تعديلها ، هذا إن حصل تعديل، الى جانب أن أي قرار حكومي قد يتعرض لحركات معاكسة من مجلس النواب ، أو البنك الدولي وشروطه .
لقد تغافلت الحكومة عن القرارات الاقتصادية التي كانت سببا في رفع الاسعار وأهمها الرفع غير المنطقي لأسعار المشتقات النفطية شهريا ، ولم تتطرق الى ملف الفساد الذي أرهق كاهل الوطن ،رغم معرفتها المسبقة بوجود قضايا فساد مستشرية، واعادت الكرة في مرمى المواطن والطلب منه ابلاغ الحكومة عن معلومات أو وثائق لديه تتعلق بقضايا فساد ، وتغافلت أيضا عن الحديث عن قانون الجرائم الالكترونية الذي في صبيحة اليوم التالي وصل إلى مجلس النواب.
حدة النبرة الحكومية تجلت في الاعلان عن مدونة السلوك الخاصة بالوزراء ، وكأنه شيء جديد ، متجاهلة أنه كان موجودا زمن حكومة سمير الرفاعي ، لكنه لم يطبق ، وهذا دليل على أن قرارات اليوم، إما أن لا تطبق، أو يتم الغاؤها من قبل الحكومة اللاحقة ، وهذا شيء طبيعي في عمل مؤسسات لا تعتمد المؤسسية .
قد يكون قرار العودة عن إعفاء مركبات” الهايبرد” الاكثر اضحاكا، كونه لا يعني الغالبية من فئات المجتمع الفقيرة في العاصمة والمحافظات ، لكن القرار المؤلم الذي يتعلق بمصابي مرض السرطان، الذي حولته الحكومات الى كرة يتقاذفونها بين تقديم العلاج لهم وبين حرمانهم ، وإن كانت الحكومة الجديدة شملتهم في العلاج مع عدم وضوح الإجراءات ، لكن قد تأتي الحكومة اللاحقة لتحرمهم من العلاج.
إن كانت الحكومة هي التي تقدمت بطلب الهدنة من الشارع الاردني ، فإن الشارع في حال شعر أن مطالبه سيتم استغفالها من قبل الحكومة ، فهو صاحب القرار بالإعلان عن انتهاء فترة الهدنة أو الغائها ، والعودة مجددا إلى الشارع.