“لؤي الأشقر” من بلدة صيدا شمال طولكرم في سطور تم توثيقها قبل حوالي عشرة أعوام، وكان بالكاد تجاوز الثلاثين من عمره حينها، يروي بعض ما كان يلاقيه داخل غرف التحقيق الإسرائيلية خلال سنوات إعتقاله فيها، يقول “الأشقر”: في معتقل كيشون الإسرائيلي تواجد عدد من المحققين الإسرائيليين الذين قاموا بتوجيه الاهانات والألفاظ النابية صوبي، وكنت معصوب العنيين مكبل اليدين والقدمين، وهدد المحققين بالنيل مني ليس بالموت بل بترك إعاقة جسديه تجعلني أموت ألف مرة، ولأن مهمة محققي الشاباك الإسرائيلي لا تؤجل ويجب إنجازها على الفور ودون مماطلة لم يوفروا جهداً في توجيه الأسئلة مع الضرب المبرح على كافة أنحاء جسدي، وأنا مقيد إلى كرسي الاعتراف لا حول لي ولا قوة، ويضيف هددوني بضرورة الاعتراف بوجود إستشهادي لدي يريد تنفيذ عملية، وأنا أجيبهم مراراً وتكراراً أن لا معلومات لدي فيستمروا في تهديدي بأنهم سيحصلون على ما يريدون بطرقهم وأساليبهم الخاصة، بل وسيجعلون تعذيبي قصة يرويها التاريخ الفلسطيني .
ويكمل: لقد بدأت جولة التعذيب منذ جلست على كرسي ذو أطراف حادة بعد تقييد يدي خلف ظهري وتقييد قدمي، حيث كان المحققون يدفعونني من صدري إلى الخلف لأنقلب إلى الوراء، واستطعت في البداية الثبات لكن مع تكرار العملية بشكل متواصل لم أستطيع التوازن لأسقط على الأرض، وكنت أشعر بدوار وإرتفاع في درجة حرارة جسمي، وبعدم القدرة على النهوض لدرجة أنني كنت أفقد الوعي وأتقيأ كل ما في معدتي، فيقوم المحقق بالضغط على صدري بقدمه والآخر بسحبي بشدة من وراء المقعد، وبعد أن أشعر بالتعب والإرهاق يتم إجباري بالجلوس على أصابع قدمي دون الاتكاء على قدمي لفترة طويلة لأشعر بآلام حادة وأوجاع لا أستطيع تحملها.
وتحت وطأة التعذيب والضرب والممارسات التي أتعرض لها قمت بالاعتراف بشيء لا علاقة لي به بهدف الخلاص من مسلسل التعذيب الذي جعلني أبكي وأصرخ لشدة ما تعرضت له، ويضيف: أثناء عملية التحقيق وللتأثير على نفسيتي كان يواصل المحققون حديثهم معي وبسخرية أن ما يقومون به مجرد مزحة، لينهالوا علي بالضرب على كافة أنحاء جسدي ويضغطون بشدة على المناطق الحساسة فيه .
ومنذ إعتقاله ودخوله غرف التحقيق يقول الأسير المحرر: أربع أيام متواصلة قضيتها في غرفة التحقيق وأنا أجلس مكبلاً على الكرسي دون السماح لي بالذهاب إلى المرحاض، ونتيجة لتبولي على ملابسي بدأت رائحة كريهة تفوح مني، وكان المحققون يجبرونني على تناول نصف كوب ماء مع الملح بعد منعي من تناول أي شيء تحت مبرر أنهم لا يريدون أن يحدث شيئا لمعدتي وأمعائي عند دفعي بالمقعد إلى الخلف حسب قولهم، برغم أنني كنت في كل عملية دفع أشعر بالدوار وأتقيأ من جديد حتى بدأت أنزف بسبب الضرب الذي تعرضت له، إضافة إلى الضغط علي بطرف المقعد الحاد حيث بدأت أشعر بنمنمة في جسدي كافة، وأن شيئا ما قد حدث في ساقي، ليخبرني أحد المحققين أنهم قاموا بما وعدوني به وهو تعرضه للشلل التام، لتتوقف عندها عملية التحقيق بعد أن نالوا من جسد الأسير الأشقر لكنهم لم ينالوا من عزيمته وإصراره رغم أن الاحتلال حول حياته إلى قصه يتداولها التاريخ الفلسطيني لكن ليس كما أرادها الاحتلال، بل قصة تحدي وصمود وكرامة.
ومثل هذه الممارسات التي تكون نتيجتها في كثير من الأحيان فقدان الأسير لحياته خلال رحلة صموده هي ما دفع أكثر من 1500 أسير فلسطيني (من أصل أكثر من 6000 من أبطال فلسطين الأحرار المعتقلين في سجون الاحتلال) إعلان إضرابهم عن الطعام والاكتفاء بالماء والملح فقط يوم السابع عشر من نيسان/أبريل الفائت، حتى حصولهم على حقوقهم في حريتهم وكرامتهم ويستمرون بالاضراب رغم كل محاولات المجرمين الصهاينة إنهائه والقضاء عليه.
ولهؤلاء واجب علينا جميعاً، فهؤلاء لم يعتقلوا إلا لأنهم كانوا أحراراً لم يقبلوا الذل والمهانة من إحتلال غاصب يندى لاجرامه الحجر قبل البشر، ولهؤلاء حق علينا كحق عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، ذلك الذي قبل أن يقبل رأس قيصر الروم يوماً لاخلاء سبيله لكن بشرط واحد، وهو مرافقة جميع الأسرى له، ليقبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رأسه عند قدومه عليه مع بقية الأسرى وهو يقول: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة.
بأمثال هؤلاء كانت كرامة الأمة وعزها عنواناً بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وبأمثال أبطالنا في فلسطين أبطال الملح والماء سيعود للأمة عزها وفخارها باذن الله، وربما لا يعلم كثيرون بأن تقوية عظام الإنسان وجهاز المناعة والتخلص من السموم في الجسم هي من أهم فوائد تناول الماء مع الملح، ولعل هذه الخلطة تنجح في تقوية عظام أمتنا ومناعتها من جديد، وتخلصها من سمومها وأمراضها لتعود عنوان عز وكرامة وإباء وفخار، ولا تقلقوا يا أبطال فلسطين يا بطون العز وسطور الحرية وعنوان الإباء، فأنتم الأحرار الذين كانت وستبقى قلوبنا ودعواتنا الخالصة معهم ما بقي لنا في هذه الدنيا شئ من النفس، فأنتم من تمنحون ببطونكم الفارغة وصمودكم وإصراركم وتحديكم للظلم والاجرام كل أحرار العالم ماء الحياة وملح كرامتها.
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران