صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
استعمرت بريطانيا شبه الجزيرة الهندية في عام 1858، ولم تكن تحكمها مباشرة، بل حكمتها من خلال ولايات أميرية مستقلة اسميا، تولاها المهراجا والراجا والنواب. وكان أولئك الحكام قد وقعوا معاهدات تخص سيادتهم في مناطقهم مع بريطانيا.
اعتبرت بريطانيا أن الهند هي الدعامة الأساسية، للسيطرة الاستعمارية واستغلال ثروات البلاد. وكان الضغط الصناعي والتجاري والسياسي الذي مارسته على تلك البلاد، يزداد ويشتد مع مرور الزمن. فكلما واجهت بريطانيا مشاكل مالية، وعجزت في الصرف على حكومتها في الهند، تزيد من الضرائب على الهنود. ولهذا أصدرت قوانين عديدة من بينها قانونا يخولها احتكار صناعة وبيع الملح، وفرضت على كل من يقدم على ذلك العمل من الهنود، مواجه عقوبة السجن لمدة 6 أشهر.
ازداد الكساد التجاري والصناعي والبطالة والفقر بين الطبقتين الوسطى والدنيا، مما أدى إلى بروز بوادر نشاط ثوري ضد الاستعمار البريطاني، شارك به الهندوس والسيخ والمسلمين على حد سواء. وعلى ضوء ذلك أصدرت الحكومة البريطانية قوانين لتتحكم بالحركة الثورية، زادت من قيود الحرية على المواطنين، وأعطت الشرطة حرية إلقاء القبض على كل شخص غير مرغوب به أو مشبوه، وسجنه دون محاكمة تحت شعار : ” لا وكيل، لا استئناف، ولا دليل “، مما أدى إلى ارتفاع صيحات الهنود بالغضب والاستنكار.
عاد غاندي إلى الهند من جنوب أفريقيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فنظم حركة ( ساتيا جراها ) أو حركة المقاومة السلمية ضد الاستعمار البريطاني. وعندما تظاهر الهنود عام 1919 أطلق الجنود البريطانيون النار عليهم وقتلوا عددا منهم. وفي عام 1922 القي القبض على غاندي وحكم عليه بالسجن 6 سنوات.
( وفي عام 1928 انظم نهرو العائد من أوروبا إلى حركة ( غاندي ) رافعا شعار : ” من يعيش إذا ماتت الهند ؟ ومن يموت إذا عاشت الهند ؟ ( Who lives if India dies ? Who dies if India lives ) . وفي عام 1930 قرر الشعب تحقيق استقلاله وتحدي ضريبة الملح، التي فرضها البريطانيون على الهنود واحتكار صناعته على البريطانيين. بلغت حركة العصيان المدني أوجها في شهر ابريل 1930، إذ قال غاندي : ” نريد نفس الحرية التي يريد تشرشل من البريطانيين أن يموتوا من أجلها “.
نظم غاندي مع عدد من مؤيديه مسيرة الملح مبتدئا بها من مدينة أحمد آباد في وسط الهند واتجهوا إلى مدينة داندي على ساحل بحر العرب قاطعين مسافة 240 ميلا خلال 24 يوما. وهناك أمام حشد كبير من الهنود، أخذ غاندي حفنة من ملح البحر وقذفها في الهواء، مطلقا شعاره الشهير في تحدي البريطانيين : ” أيها الهنود اصنعوا الملح “. فجاءت الشرطة البريطانية واشتبكت مع المتظاهرين وقتلت البعض منهم، واعتقلت البعض الآخر كان من بينهم غاندي.
استمر العصيان المدني وعمت المظاهرات في شبه القارة الهندية مطالبة بالاستقلال، ورفضت الشرطة الهندوسية إطلاق النار على المتظاهرين الهنود، فامتدت المظاهرات والاعتصامات في مسيرة كفاح طويل دام لفترة 17 عاما، حصلت الهند بعده على الاستقلال في عام 1947.
وللمقارنة النسبية . . فإن مسيرة حكوماتنا الأخيرة، تولاها منذ عام 2012 رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور، الذي تفنن في فرض الضرائب المجحفة على المواطنين، تحت ذريعة أرعب بها الناس كان مؤداها : ” إما فرض الضرائب ورفع الأسعار أو هبوط قيمة الدينار “. فقبل الناس بهذا التبرير حرصا على سلامة وأمن اقتصاد وطنهم. ولكن تردت الأحوال وزادت المديونية
ورثت حكومة الدكتور هاني الملقي حكومة النسور، وبدأت ولايتها في عام 2016 ثم جرى عليها 5 ترقيعات لكي تتمكن من مواصلة مسيرتها غير المشكورة لمدة سنتين. فتابعت حكومته السير على نفس خطة الحكومة السابقة، في فرض الضرائب المجحفة على المواطنين. إذ لم يسلم منها رغيف خبز الفقراء ولم تبحث عن بدائل تغني عن جيوب المواطنين. فكانت النتيجة أن أغلقت الشركات والمصانع الكبيرة والصغيرة أبوابها وهاجرت خارج البلاد، وجفت مصادر الدخل المحدودة التي ترفد الخزينة بجزء يسير من موازنتها، وزادت المديونية.
كانت آخر هذه الضرائب التي قصمت ظهر البعير، ضريبة الدخل المنقولة عن مصادر أجنبية، وبموافقة شكلية من مجلس الوزراء وإصرارا مستفز من رئيسه، وتهديد من وزير ماليته، بأن لا رواتب للقطاع العام إذا لم تتم الموافقة على ذلك القانون. كاد ذلك التصريح الأخرق والإصرار على تنفيذ قانون الضريبة، أن يهز استقرار العائلة ويقوض المصالح التجارية والصناعية في البلاد.
انفجر الشارع بصورة عفوية وتحركت مسيرة الشباب إلى الدوار الرابع، يوازيها مسيرات واحتجاجات على تلك الضريبة في مختلف مدن المملكة. اتصفت تلك المسيرات والاحتجاجات بالحرص على الممتلكات والأرواح وتجنب مظاهر الشغب والتخريب، بصورة انتزعت إعجاب المراقبين. فقال الشباب كلمتهم وبينوا مطالبهم في إلغاء الضريبة، وتقصير ممثليهم في القيام بواجبهم نحو ناخبيهم، فكانت النتيجة أن سقطت حكومة التأزيم بعد أسبوع من تحركهم.
جاءت حكومة الرزاز إلى الحكم خلفا لحكومة الملقي بتاريخ 14 / 6 / 2018 يحمل رئيسها شعار داروين : ” البقاء ليس للأقوى وإنما للأقدر على التكيف “. فقام بتهدئة الشارع من خلال وعوده بسحب قانون الضريبة، وإجراء الإصلاحات الضرورية، وتفعيل الحوار وتبادل الرأي مع المواطنين.
نفذت الحكومة بعد توليها المسؤولية رسميا، وعدها بسحب قانون ضريبة الدخل ولكن ليس بقصد إلغائه، وإنما بقصد إعادة تشذيبه وطرحه من جديد على مجلس النواب. بما يعني أن سيفه ما زال مسلطا على رقاب المواطنين، ولكن سيكون هذه المرة بترخيص من مجلس النواب.
كانت التجربة غير السارة التي شهدناها قبل أيام، هي الاجتماع الذي جرى بين مستثمري المناطق الحرة ومندوبي الحكومة، والتصريح الذي تلاها بأن لا توافق بين الطرفين، وأن الأمور بقيت كما كانت على زمن الحكومة السابقة.
لقد طمأننا دولة الدكتور الرزاز بحديثة في مؤتمره الصحفي الأول حول سياسة عمل حكومته، وأنه سيقوم بالإصلاحات الضرورية بالتشاور مع المعنيين، وها نحن نضع أيدينا على قلوبنا ونقف على رؤوس أصابع أقدامنا، لنرى ما الذي سيسفر عنه تنفيذ تلك الوعود خلال الأيام والأشهر القادمة، بعد أن فشل الاجتماع الأول مع مستثمري المناطق الحرة، لاسيما وأننا لم نقتنع ببعض شخوص حكومته عند إعلان تشكيلها. فهل تنجح مسيرة الدوار الرابع الأردنية في تحقيق أهدافها، كما نجحت مسيرة الملح الهندية، أم أنها ستحتاج إلى مسيرات احتجاج جديدة ؟
التاريخ : 23 / 6 / 2018