صراحة نيوز – بقلم هاني الهزايمة
صعد جلالة الملك عبد الله الثاني من لهجته تجاه العنجهة الإسرائيلية خلال مقابلة أجرتها معه مجلة دير شبيغل الألمانية اليوم الجمعة عندما قال وبوضوح لا لبس فيه أنه “إذا ما ضمّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية سيؤدي ذلك إلى صِدام كبير مع الأردن”. وأضاف الملك عبد الثاني “لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات ولكننا ندرس جميع الخيارات إذا جرى الضم”.
مخطئ من يعتقد أن كلام الملك سيمر مرور الكرام وأن السياسيين الإسرائيليين لن يأخذوه على محمل الجد. للوهلة الأولى لربما يتساءل القارىء ما الذي يملكه الأردن ليهدد به إسرائيل غير خيار الحرب وهو الخيار المستبعد لأسباب كثيرة ليس فقط لعدم تكافؤ القوة العسكرية بين الأردن والإحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن الدعم الأمريكي المطلق خصوصا والغربي والشرقي عموما لإسرائيل، بل لأن القيادة الصهوينية وجميع ساستها تعلم جيدا أن أي مغامرة عسكرية مع الأردن في الوقت الراهن ستكون خاسرة وعلى جميع الجبهات العسكرية والإقتصادية والإجتماعية.
الإحتلال الإسرائيلي ليس في موقع يمكنه من الدخول في مغامرات عسكرية جديدة وفتح جبهات قتالية مع أي طرف كان من محيطة الجغرافي سواء كان الأردن أو غيره. الحرب خاسرة بجميع المقاييس ولن تسمح بها الدول العظمى ولن تسمح لأي طرف أن يهدد عسكريا أي طرف آخر على الأقل على المدى القصير أو المتوسط. أما على المدى البعيد فلا أحد يعلم ماذا سيحصل ليس فقط في منطقتنا بل في العالم أجمع خصوصا في ظل التغييرات الدراماتيكية التي فرضها وباء كورونا على جميع دول العالم.
إذا ماذا لدى الأردن وما الذي في جعبة الملك عبد الله الثاني ليطلق كلاما شديد اللهجة موجها لنتنياهوا وحاشيته، إذا ما استثنينا الخيار العسكري؟
أولا الأردن يحظى بعلاقات متميزة مع جميع دول العالم وخصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وروسيا والصين وباقي دول العالم. أما عربيا، فالأردن علاقته بأشقائه العرب علاقة الأخ بأخيه والإبن بأبيه، من خلال إرث تاريخي سطره الملك الراحل الحسين بن طلال والتزم بخطاه الملك عبد الثاني واستمر هذا النهج إلى يومنا هذا.
هذا على الصعيد الدولي، أما إقليميا، فلم يعد سرا يخفى على القاصي والداني بأن إسرائيل تعمل بأقصى طاقتها من أجل التقارب مع محيطها وبناء علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع الدول العربية، وبالتالي أي مغامرة مع الأردن ستنقلب رأسا على عقب على جميع الخطط الصهيونية.
أم محليا، فالأردن لديه العديد من الأدوات التي إذا ما قرر إستخدامها وإذا ما توفرت فعلا الإرادة السياسية وتهيأت الحاجة لإستخدامها ستكون بمثابة سلاح لا يقل أهمية عن السلاح العسكري بل لربما أقوى. فالأردن يرتبط مع إسرائيل بإتفاقية سلام مذ العام ١٩٩٤ وعلى الرغم من برودتها إلا أنها لا زالت اتفاقية يهتم بها الجانب الإسرائيلي أكثر من الجانب الأردني. كذلك هناك التبادل السياحي والتجاري بين الطرفين بالإضافية إلى تبادل الرحلات الجوية والسماح لشركة العال الإسرائيلية بإستخدام المجال الجوي الأردني.
ولا يقل أهمية عما ذكر سابقا، فهناك إتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق إسرائيليا. كل هذه الأدوات تمثل رصاص في بندقية الجانب الأردنية إذا ما أحسن التصويب سيكون قادرا على إصابة هدفه وبدقة وإيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر.
الأردن ليس في موقع ضعف. الأردن لديه من القوة ما يمكنه من أن يكون لاعبا سياسيا ومؤثرا علي الصعيدين الإقليمي والدولي.
وإذا كانت القيادة الأردنية في حالة من التردد فيما مضى لعدم توفر الظروف لاستخدام نقاط القوة، فإن ما يمر به العالم والمنطقة وما تتعرض له القضية الفلسطينية من ظلم وتهميش متعمد يمثل أفضل الظروف وأقوى الأسباب لتفكر القيادة الأردنية مجددا في اتخاذ قرارات ربما يكون لها انعكاسات صعبة على الداخل الأردني لكنها بدون شك ستكون كارثية على الطرف الآخر. الشعب الأردني على استعداد وقادر أن يتحمل الشدائد في سبيل العيش بكرامة. فلم يبقى لنا في هذا المضمار إلا كرامتنا لندافع عنها إذا ما حاول العدو استباحتها.
—