صراحة نيوز – الدكتور عديل الشرمان
مهما بلغت من مظاهر القوة والاحترافية والجاهزية، لن يكون بوسعك القضاء على ظاهرة بعينها لأن ما تقوم به من اجراءات تبقى ردات لأفعال وسلوكيات لم تعالج أسبابها، فمن غير الممكن تطبيق حد السرقة بقطع اليد والناس جوعى، ولن يكون بوسعك وقف وضبط الشباب المتهور المندفع في الوقت الذي تجد فيه الكبار القدوة يخرقون القانون ويسيرون في مقدمتهم، ولن تسير عجلة الصبية والشباب بأمان طالما تجد كبارا يضعون العصا في الدولاب لوقف تقدمهم وتوجيههم في الاتجاه الخاطئ.
ما جرى بين أبناء الدم والوطن الواحد أصابنا بالإحباط، وكنا نتوقعه في ظل ضعف تأثير ما كنا نحسبهم قيادات مجتمعية وادارية، لكنها قيادات بعضها ضعيف، وبعضها الآخر قدوات سيئة، ولا تقوى على اقناع الشباب المنفعل والمتهور بحسن التصرف، وليس بوسعها السيطرة على اندفاعاتهم، لا بل أصبح بعضهم لعبة في أيدي الشباب العابثين، ويتسترون بهم لخرق القانون.
ماذا فعلنا وماذا قدمناه للشباب للارتقاء بسلوكهم وطريقة تفكيرهم، ومعرفة حدودهم، وماذا أعددنا وخططنا لهم من برامج وفعاليات لتطوير قدراتهم، وبناء منظومتهم القيمية والأخلاقية، لقد تركناهم في الشوارع فأغرقوها بالنفايات، وغرق بعضهم في الانحراف والرذيلة، وتركناهم فريسة سهلة لوسائل الإعلام والمخدرات، في حين كانت الحكومات المتعاقبة غافلة ومشغولة بالتعديلات والتغييرات الوزارية وتبديل الكراسي، وصناع القرار لاهون بالسياسة والتنظير والبحث عن الكراسي والمنافع الشخصية.
القوة وفرض القانون أحد الحلول المؤقتة للسيطرة على ما يجري، لكنها ليست هي الحل الوحيد، يجب أن يسبقها اجراءات وجهودا كبيرة وطويلة وتعاضدية من قبل كافة مؤسسات المجتمع المعنية لمعالجة الاختلالات الكبيرة التي حصلت بفعل اهمال بعضه متعمد ومقصود وهو ما لم نفعله بنجاح، فغض البصر عن الخطأ المتكرر والتستر عليه دائما سيقود حتما إلى تفاقمه للحد الذي يجعلنا نفقد السيطرة عليه، ويؤدي بنا إلى الفوضى والارتباك.
لقد انشغلنا بالمظاهر والسطحيات وصار كل همنا المنصب والكرسي، وتوزيع المناصب والحقائب، وانتخابات المجالس النيابية والمركزية والبلدية، والوظائف القيادية، واللهث وراء الدنيا، وصارت السياسة لعبتنا الوحيدة بامتياز، وتحولنا الى منظرين، ودخلنا في مناكفات ومزايدات فارغة جوفاء، وتركنا الأهم في منظومة بناء الوطن والمواطن وهو الشباب.
أما الجمعيات والمراكز ومؤسسات المجتمع المدني مازال دورها شبه غائب وغير مرئي، ولا تمتلك مشاريع واضحة للتغيير وقابلة للتطبيق تمكن الشباب من اطلاق طاقاتهم، وتعزز المواطنة الفاعلة لديهم، وأعمالها لا ترقى إلى رسالتها الفكرية والاجتماعية، ولا تتعدى غايات بعضها عقد الاجتماعات والاحتفالات والقيام بالزيارات وتنفيذ أنشطة دعائية عشوائية غير مدروسة، ومبلغ همها من ذلك التقاط صورة مع مسؤول على مدخل دائرة حكومية ونشرها من خلال وسائل الإعلام لينتهي كل شيء.
بات من الضروري التخلص من العقول المستبدة الاستعراضية، والقيادات المتحجرة المنتفخة، وتلك المتمترسة خلف السطوة والنفوذ والمصالح، والتي تحتمي بستار الجهوية والفئوية، ذات النمط الأحادي المقيت والمعيب، فقد ولّى زمنها واندثر، ووصلت حد العفن والقرف رغم ما فيها من ترف.
ويبقى السؤال، متى تفيق حكوماتنا ومؤسساتنا من سباتها، فلم نعد بحاجة إلى مشيخة في هذا البلد، كفانا مراجل فارغة، كفانا عبثية، كفانا استهتارا ولعبا بالعقول، فالوطن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قيادات وفيّة لرسالتها ومبادئها، وواعية ومتواضعة، يجوعون حيث يجوع الناس، يتألمون لألمهم، يلتف الجميع حولهم ومعهم لا عليهم من أجل وطن أكثر جمالا، وأكثر أمانا واستقرارا، نحن بأمس الحاجة وقبل فوات الأوان إلى قيادات من العلماء والمفكرين لتجاوز الخيبات المتتالية، تحمل هم الوطن والمواطن، وتخطط لمستقبله، ومستقبل أجياله، ولا تنخرط في مؤامرات عليه.