صراحة نيوز – برعاية الأستاذ الدكتور سلمان البدور رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية نظمت عمادة شؤون الطلبة محاضرة بعنوان (تجليات الفن الإسلامي).
في بداية المحاضرة رحب الأستاذ الدكتور ياسين الزعبي نائب رئيس الجامعة بالضيف المحاضر، وبأسرة الجامعة؛ لتواصلهم الدائم مع الأنشطة التي تنظمها الجامعة. وذكّر الدكتور الزعبي بالدور الكبير الذي قام به الدكتور المهيد الذي ساهم بإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي الذي أحرق بأيد اسرائيلية متطرفة في العام 1969.
اعتبر مدير عام مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، أستاذ النسب في الفنون والعمارة الإسلامية الأستاذ الدكتور منور المهيد، أن العمارة الإسلامية ترجمة للحكمة بشكل مرئي قوامه الزهد والبساطة بالإضافة إلى الغنى والتناغم مع الطبيعة.
وقال في محاضرته “تجليات الفن الإسلامي” التي نظمتها عمادة شؤون الطلبة في جامعة العلوم الإسلامية العالمية إن اللغة الكونية للفن الإسلامي تفوق مستوى التصور البشري.
وزاد المهيد الحاصل على دكتوراه النسب في الفنون والعمارة الإسلامية من جامعة ويلز في إنجلترا، أن الفنون الإسلامية، بما هي عليه من دقة وفخامة وتجل، تمتد وتتداخل في العمارة والطبيعة والكون بنسب ذهبية بالغة الدقة والانسجام.
وبيّن أهمية الفن في الحضارات المبنية على أساس ديني، وأوضح المهيد أن المعيار الفني الأساسي في الحكم على سمو حضارة ما في وقت ما، هو مدى قرب فنونها أو بعدها من مبادىء الحكمة: الحق والخير والجمال.
وحول خصوصية فن العمارة الإسلامية وتميزها عن غيرها من الفنون، لافتا إلى أن فن العمارة الإسلامية هو إبداع إلهي علّم للإنسان، وهو من خلال ما يتسم به من دقة وتناغم وانسجام، يولّد إحساساً بالروحانية العالية.
وأكد المهيد أن العمارة الإسلامية مرتبطة بالعلوم وعلى رأسها علم الهندسة القديم الذي بحث فيه ابن خلدون، متابعا أن هذا الفن بما يشيعه من روحانية وبساطة وسلام، يقترب من الفطرة الإنسانية.
وقال:” وإذا تناولنا الفن الإسلامي من هذا المنظور السامي، فإن الإسلام عبر عن هذه الحقيقة في جميع فنونه من خلال ثلاثة جوانب، تعبّر وتعكس مستويات الحكمة الثلاثة الآنفة الذكر، ففي قول لأحد حكماء الإسلام، فإن الحكمة هي معرفة كل حق، محبة كل جميل، وإرادة كل خير”.
واضاف” فإرادة الخير مرتبطة بجانب الأفعال، وبالتالي بالجانب الفيزيائي الخشن من الوجود؛ أي جانب المظاهر، ولكن بالاستناد إلى نسب فاضلة وليس أية نسبة اعتباطية، ولذا كان من أساسيات الفن الإسلامي هو الهندسة الفاضلة، التي هي التعبير العلمي والوجودي لكثافة المادة “عالم الأفعال”، وهي الجانب المكاني من الوجود، وتعبيرها الخارجي في الزخارف الهندسية والفنون والنسب المعمارية في العمارة,”
أما الجانب الثاني من الحكمة وهو محبة كل جميل فكان من خلال الزخرفة النباتية، وهي دلالة النمو والحياة من خلال تحوير للأشكال النباتية بشكل علمي معرفي جمالي للعالم اللطيف من الوجود “العالم النفسي، عالم الفضائل”، وهي بذلك تجلي الجانب الزماني من الوجود، وكأنها صياغة مرئية لموسيقى الحياة.
كما بيّن المهيد جانب الحكمة الثالث، وهو معرفة كل حق، وقد تجلى هذا الجانب في الفن الإسلامي في الخط العربي، الذي احتيج إليه في البداية لكتابة القرآن العظيم، في محاولة لأن ترى العين جمال ما تسمعه الأذن من الكلم الإلهي. فكان الخط العربي أبدع ما رأته العين من الخطوط العالمية، ليحتل المكانة الأولى بسمو رفيع لا يقاربه فن خط من نتاجات الحضارات العالمية سابقاً ولاحقاً.
وأشار إلى أن الفنون الفاضلة تعني أيضاً بجانبين أساسيين هما: جانب الخفاء (تلك الصلة في الحقيقة المتعالية) أو السر، وجانب النظام، إذ لا يكاد فن فاضل يخلو منهما في تعابيره الشكلية عن الحكمة المتجلية في حضارته. فالجانب الأول يعنى بالمعاني والجانب الثاني يعنى في المباني.
وأوضح أن جانب المعاني هو ذلك الرابط للشكل الخارجي بمعناه الإلهي من خلال الرمزية الحقانية، التي ليست من صنع الإنسان الدنيوي، أما المقاصد الأصلية للوجود” وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم “. أما جانب النظام فإن الفن الإسلامي عني به أيّما عناية من خلال أسس الهندسة الفاضلة “هندسة النسب الكريمة”، التي تنظم المباني “المعاني والمباني” أي ذلك الشكل المراد للتعبير عن حقيقة هي أعلى منه في الطبيعة.
وعرض الدكتور المهيد صوراً فوتوغرافية ولوحات فنيه ومعادلات رياضية تكشف عن بعض النسب في الفن الاسلامي والعمارة الاسلامية “الهندسة الفاضلة”.
وقد وجدت دراسات كثيرة أن بناء الفن الاسلامي مرتكز على هذه النسب، وأن هذه النسب نفسها تتجلّى في أشياء الوجود وظواهره؛ في مدارات الكواكب في مجموعاتنا الشمسية، وفي الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان، وفي بنية جزيئات المادة، مما يدل على العمق الفكري الكبير الذي وصلته الحضارة العربية الإسلامية، اتساقاً مع الجهد الفني والرؤية الفنية التي عبّرت عن المضمون الفكري.
وفي نهاية اللقاء دار حوار ونقاش موسع حول جملة من القضايا المرتبطة بخصوصية الفن الإسلامي وجماليته، وضرورة الاهتمام بالفن الإسلامي وإعادة إحيائه كما فعلت جامعة العلوم الإسلامية العالمية في إنشائها لكلية العمارة والفنون الإسلامية.
كما تخللت زيارة المهيد للجامعة جولة في المعرض الإسلامي الفني الموجود داخل حرم الجامعة.