صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
في كل مرة يرد ذكر تركيا، أشعر بشيء من الأمل وبإمكانية امتلاك الأمة القدرة على النهوض واستعادة بعض من تاريخها وأمجادها وحقوقها المسلوبة. فالجمهورية التركية اليوم، وبالرغم من أنها ما تزال مقيدة باتفاقية فرساي باعتبارها وريثة إحدى الإمبراطوريات التي حكمت العالم لقرون وخسرت الحرب العالمية الأولى، استطاعت أن تطور نظامها وتتجاوز آثار الهزيمة، فقد حلت الكثير من مشكلاتها الاقتصادية والإيديولوجية والإدارية ولحقت بركب الأمم المؤثرة في العالم.
بالرغم من التشويش المبرمج الذي يحرص البعض على فبركته من وقت لآخر ومحاولات تشويه صورة هذه الجارة المسلمة والتشكيك في نواياها وأهدافها وما تقوم به من مساع ومبادرات، إلا أنني لم أقتنع يوما بأي من القصص والاتهامات والروايات التي يجري بثها وتداولها. فسجل هذه البلاد واضح ومواقفها معلنة ولا أجد مبررا لتحميلها وزر الكثير من الأخطاء والقرارات الكارثية التي قام بها البعض وتحميلها مسؤولية ونتائج حماقات جيرانها التي لا يمكن لأحد أن يتحملها.
الصورة الناصعة للإسلام التقدمي القادر على التفاعل مع الحداثة والأخذ بأسباب النجاح تمثلها تركيا. فقد نجحت في المواءمة بين الهوية الثقافية الإسلامية وبرامج النهوض بالتعليم والإدارة والسياسة والتنمية والتصنيع وإدارة الاقتصاد والتخلص من كل ما يمكن أن يعيق النمو والازدهار، فنجحت في خفض مديونيتها وبناء صناعاتها وخلق فرص تجارية في أسواق واسعة واستقطاب الاستثمارات والحفاظ على بيئة سياحية جاذبة جعلت الدولة في صفوف المجتمعات الأسرع نموا ومن بين أفضل 15 دولة اقتصاديا في العالم.
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا أحد أكثر المقاصد السياحية المفضلة للسياح العرب والمسلمين؛ فالمجتمع متسامح يخلو من التطرف والتعصب ويوفر للقادم كل ما يحتاجه بأسعار معقولة بعيدا عن ممارسات الاستغلال والإجهاد الضريبي الذي تلجأ له بعض مجتمعات ودول المنطقة. اليوم يوجد في تركيا آلاف الأردنيين ممن تملكوا عقارات وحصلوا على إقامات دائمة، إضافة الى عشرات آلاف السياح الذين يفدون لها سنويا. العديد من التجار والصناعيين الأردنيين وغيرهم ممن لا يحبذون حالة الاستقرار التشريعي يتوجهون الى تركيا ليتمتعوا بتسهيلات حقيقية وفرص استثمارية مواتية.الموقف التركي من القضية الفلسطينية التي كانت وما تزال أهم وأقدم المشكلات التي أشغلت البشرية وتسببت في الكثير من المعاناة لملايين الأسر والأفراد، موقف مساند لحقوق الشعب الفلسطيني. البعض ينتقد تركيا لارتباطها بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكنه يتناسى أن المواقف المعلنة لتركيا كانت دائما مع الحق والعدل والشرعية الدولية، بل إنها تجاوزت ذلك في الأعوام الأخيرة، فحاولت الوصول الى غزة في مسيرة بحرية تسببت في أزمة بينها وبين الكيان الإسرائيلي وأثارت حفيظة الولايات المتحدة.
خلال الأشهر الأخيرة، وفي الوقت الذي أعلن دونالد ترامب عن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وتوجيهه لخارجية بلاده لنقل السفارة الأميركية الى مدينة القدس المحتلة، كانت تركيا من بين الدول الإسلامية التي وقفت بقوة ووضوح وحزم في وجه هذا القرار وأعلنت عن رفضها له، ونبهت لخطورة تطبيقه على عملية السلام وعلى العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي. كل ذلك في وقت تعاطت فيه بعض دول المنطقة مع القرار وتبعاته على استحياء.
تركيا الواقعة بعض أراضيها في أوروبا تعتز بهويتها الإسلامية وترفض التخلي عن ثوابتها التاريخية والثقافية وتحمل راية الدفاع عن القدس وعروبتها ورمزيتها، فقيادتها منتخبة وشرعية ولا تحتاج لدعم القوى الخارجية ولا تخشى مؤامراتها.