صراحة نيوز – كتب أ.د. محمد الفرجات
تعالوا نحكي عن مستقبل “المملكة الأردنية الهاشمية”، وأين نحن وما هو مستقبلنا:
1- نقاط الضعف
– الشح المائي والجفاف وتأخر الأمطار والتصحر (علامات التغير المناخي المتسارع)
– غياب موارد الطاقة التقليدية
— فروقات سلبية بين العوائد والنفقات (ميزانية الدولة) والميزان التجاري بين الواردات والصادرات مقابل نمط استهلاكي سلبي
– ارتفاع نسبة النمو السكاني (لأسباب غير النمو الطبيعي)
– صناعات غير منافسة بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج وغياب الجودة أحيانا
-غياب البحث العلمي التطبيقي ومخرجاته وعلاقته بالتطوير الصناعي والتقني على المستوى الوطني
2- التحديات
– ارتفاع نسب ومعدلات الفقر والبطالة + ثقافة العيب أمام بعض انواع المهن
– تدني انتاجية التربة والمحاصيل، والمد السكاني نحو الأراضي الزراعية
– خلل في الأمن الغذائي المحلي والاكتفاء الذاتي واستشراء سياسة الاستهلاك والاستيراد
– ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة النفط والصناعات التحويلية
– نقص موارد العملة الصعبة (خلل الميزان التجاري) وخلل في نمو الناتج المحلي الاجمالي الطبيعي
– تردي اقتصادي يفضي الى أزمات داخلية ذات طابع مطلبي (على الخدمات والرواتب والبنى التحتية والعدالة)
– تغير في أنماط المعيشة ومصادر الدخل والاقبال على الوظيفة الحكومية
-غياب عنصر الاستقرار السياسي في بعض دول الجوار وانعكاس ذلك علينا بارتفاع وتيرة موجات الهجرة
– تغيرات اجتماعية سلبية متوقعة بحكم تردي الوضع الاقتصادي (العنف المجتمعي والجامعي ونمو نسبة الجريمة المنظمة)
3- نقاط القوة
– شعب واعي ومثقف ومتعلم (ومن شتى الاصول والمنابت) مما يفضي لتنوع الخبرات والمعرفة
– مجتمع شاب في تكوينه الهرمي، وارتفاع نسبة الشباب في سن العمل
– الأمن والاستقرار الداخلي
– وجود مؤسسية وادارات واضحة وقانون مدني شمولي
– تجانس وتماسك وتكافل مجتمعي وتلاحم بين أفراد الشعب وغياب أسباب التفرقة
– توفر مصادر طبيعية كالفوسفات والحجر الرملي والبوتاس والصخر الزيتي والبازلت والقرانيت وخزين مياه جوفية عذب عملاق في الديسة، والصحراء الشرقية من المياه المسوس
– توفر أسباب السياحة بمعظم أنواعها، وتوفر الخدمات السياحية ذات الجودة العالية
– توفر سدود مائية بسعة تصل الى 325 مليون متر مكعب
– مناخ لطيف ومعتدل
– شبكات مواصلات وطرق ومعلوماتية وبنية تحتية وخدمات متكاملة وجيدة
– وجود اتفاقيات تجارة حرة مع بعض دول العالم
– علاقات وصداقات عربية ودولية متطورة
– مؤسسات تعليمية عريقة، وحملة شهادات بدرجات وتخصصات مختلفة
– وجود أيدي عاملة بأجور مقبولة
– وجود منتج صناعي وزراعي وصادرات مطلوبة عالميا
– وقوع المملكة في منطقة متوسطة من العالم
– جودة الخدمات الطبية المحلية عالميا
– تميز المحافظات في المملكة بالتخصصية (زراعي، سياحي، تجاري، صناعي،…الخ) ما يدعو للتكامل
– خلو المنطقة نسبيا من الكوارث الطبيعية
4- الفرص
– توجيه الاعتماد على موارد طاقة متجددة كالطاقة الشمسية والرياح، ووقف مشروع المفاعل النووي حيث لم يعد مجديا، وتحسين وتفعيل اتفاقية الغاز المصري، واستغلال الصخر الزيتي لغايات توليد الطاقة
– تكملة مشروع جر مياه الديسة والبدء بتنفيذ مشروع ناقل البحرين (الاحمر والميت) والمضي بمشاريع الحصاد المائي، وتحلية مياه البحر في العقبة، واستغلال المياه الجوفية العميقة بعد تحليتها أو خلطها مع مياه أكثر عذوبة
– تطبيق اساليب ووسائل الزراعة العصرية لزيادة الانتاجية والري بالتنقيط للتكيف مع شح الموارد المائية + استصلاح الاراضي الصحرواية، ووقف المد السكاني على الاراضي الزراعية المنتجة
– تحسين سوق وصناعة السياحة والجذب السياحي والاهتمام بجودة الخدمات وتوفير مزيد من المنتج السياحي لزيادة فترة مكوث السائح
– تفعيل دور السفارات وهيئة تنشيط الاستثمار في توجيه الاستثمار العالمي النظيف للمنطقة + تفعيل سبل تشجيع الاستثمار
– توجيه المد السكاني باتجاه المناطق الصحراوية
– التسهيل على قطاع العقار والاسكان حيث انه ينشط ما لا يقل عن 30 قطاع وينعش سوق العمل
– تطبيق اللامركزية في موازنات المحافظات السنوية للعدالة في توزيع الخدمات والبنى التحتية بناءا على التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية
– تفعيل نهج الرقابة وتطبيق القانون والنزاهة والشفافية والمسائلة في شتى قطاعات الحكومة
– توفير مزيد من الدعم والتسهيل للقطاع الخاص
– تخصيص جزء من الموازنات السنوية لايجاد مشاريع مدرة للدخل في الصناعات الغذائية وغيرها، والحد من المستوردات المشابهة ان وجد البديل الوطني
– العدالة من قبل المسؤول في حقوق الموظف واستحقاقاته + المسؤولية الضميرية من الموظف تجاه العمل + التدريب المستمر ونقل الخبرات، نهج للحرب على الترهل الوظيفي
– تبني توعية وطنية بأهمية الاقبال على المنتجات المحلية الوطنية + تحسين جودتها بالتطوير الدائم
– منهجة وثم عكس البحث العلمي التطبيقي ومخرجاته على قطاعات الصناعة والزراعة (هام جدا جدا ***)
– تشجيع اقبال الشباب على فرص العمل اليدوية والحرف والصناعات، ومحاربة ثقافة العيب
– انضاج الدولة سياسيا، وتنمية الاحزاب ودعوتها لتبني نهج اصلاحي، وبرامج تطبق من خلال مؤسسات المجتمع المدني والهيئات غير الحكومية، وبناء جسور الثقة مع المواطن والحكومة والعكس، سيرا للوصول بأغلبيات وتكتلات للبرلمان لتشكيل الحكومات القادمة، بعد أن يقنعوا الشارع بنجاعة حلولهم ومصداقيتها.
5- خارطة الطريق للنضج السياسي والدولة المدنية:
النضج السياسي يوجب تعميق نهج المشاركة الشعبية والديموقراطية، وتقبل الرأي والرأي الآخر، وبناء جسور الثقة بين الحكومة من جهة والاحزاب والجماعات من جهة اخرى، والعكس صحيح، ويجب تبني نهجا لرعاية وتنمية الأحزاب من شتى الأطياف والتوجهات ما دامت لمصلحة الوطن، والتي تعد المعارضة فيها عمقا واغناءا لنهج الدولة من ناحية، والتزاما ببرنامج الحكومة العاملة أمام من يراقب من الناخبين والتيارات السياسية والأحزاب المختلفة من ناحية أخرى.
والمشهد الأردني لدينا وبالرغم من التحديات في طريقه للنضج، وعلى الرغم من الصورة القديمة التقليدية والتي ما أن يعارض سين أو صاد في المملكة برامج الحكومة أو نهجها الا ونفهم وعلى الفور أنه ضد الحكومة والدولة، بالرغم من ان مكونات الدولة هي الارض، والحكومة، والشعب وبكل مكوناته ونسيجه وشرائحه. وبالحقيقة هذا المفهوم متبادل بين المعارضة والحكومة أيضا، ويعود ذلك لغياب النضج السياسي من صورة المشهد بين الطرفين، وكذلك غياب الثقة، لأسباب مرت بها المنطقة عبر العقود الماضية.
لقد صرح جلالة الملك وطلب في أكثر من تصريح ولقاء ومنذ تسلمه السلطات ضرورة الحاجة الى تعميق مفهوم العمل الحزبي في المملكة، وضرورة نضوج البرامج الحزبية والعمل الحزبي، وشدد وفي أكثر من تصريح على أهمية الحوار والمشاركة الشعبية في قاعات الحوار لا في الشارع.
المشهد ايجابي، فما يبدو أن النضج السياسي هو صورة المشهد القادم، والنضج سيكون بمراحل، وسيكون هنالك تحديات، وتشكيك، وعرقلة، وصعوبات، ولكن الوطن اكبر من الجميع. فأمام الحكومات القادمة وأدواتها من وزارات ومؤسسات وهيئات مختلفة، منهجية وأهداف بكتب التكليف الملكية السامية واضحة المعالم والأهداف، وجلالة الملك يأخذ برؤى اطياف المعارضة وطرح الكتل الوطنية دائما.
مهما يكن الأمر، فجلالة الملك بحاجة ماسة الى حكومات تتفهم معنى الالتزام ببرنامج العمل الحكومي، ونصوص كتب التكليف السامية. وما يبدو أن هذا كان ناقصا في منظومة الحكومات السابقة التي لم تجد الهداية الى هذا السبيل أمام بعض المتغيرات اليومية أو التحديات، ولعدم التجانس بين الفريق الوزاري في أغلب الأحيان، ولكثرة وسرعة التشكيل أو التعديل في الوزارات لأسباب فرضتها ظروف مرحلية معينة.
الثلاثية المطلوبة واضحة للجميع، حكومة وموازنة وبرنامج عمل؛ حكومة برلمانية، وموازنة ذكية تأخذ بالاعتبار عدالة التنمية بين المحافظات، وبرنامج عمل يأتي من مخرجات ومعطيات الاطياف السياسية والمعارضة ورؤية جلالة الملك. اذن نحن في طريقنا نحو النضوج السياسي، وبالرغم من أننا على الدرجة الاولى من سلم طويل. وكما أسلفنا، يعد هذا الأمر جيدا في تعميق نهج المشاركة الشعبية والديموقراطية، والتي تعد المعارضة فيها اغناءا لنهج الدولة من ناحية، والتزاما ببرنامج الحكومة العاملة أمام من يراقب من الناخبين والتيارات السياسية والأحزاب المختلفة من ناحية أخرى. كل ذلك ناهيكم عن ان المعارضة فيها عمق للدولة وورقة رابحة أمام قرارات سياسية قد تفرض من هنا أو هناك. وهذا لا يعني أن تكون المعارضة بالمفهوم الخاطيء وما يتمخض عن ذلك من تبني مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، حيث أن هنالك وسائل غير شريفة لا تمت للغاية بصلة، والمعارضة وبكل اطيافها ومكوناتها يجب ان تكون غاياتها المصلحة الوطنية فقط.
6- خارطة الطريق لنهضة اقتصادية مستدامة:
المرحلة القادمة حساسة اقتصاديا، حيث تبين نماذج الاسقاطات المستقبلية ومن العقود الزمنية القليلة الماضية، وواقع الحال، انه اذا بقينا كما نحن اليوم؛ مجتمع مستهلك، غير منتج، ونفقات تشغيلية للقطاعات الحكومية الخدمية تطغى وتغلب على عوائد منتجات الابداع، فان المعطيات تشير وخلال الخمسة سنوات القادمة الى اضمحلال.انها معادلة بسيطة، فالمداخيل المالية للموازنة لا تقابل حتى النفقات الجارية فيها، والنمو المتسارع في النفقات الجارية خلال السنوات القادمة أمام واقع الحال من بطىء نمو دخول الموازنة، وسياسة الاستهلاك المستشرية لدى المجتمع والطلب على المنتجات المستوردة، ستؤدي لنمو المديونية وعجز في سدادها من ناحية، والغرق في التزامات مالية لا تخدم النمو الاقتصادي المطلوب، وتعيق خدمة النفقات الرأسمالية والاستدامة المنشودة من ناحية أخرى. فالأمر ببساطة يتلخص بالقول “لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع”.
علينا وعلى وجه السرعة أن نوجد هيئة مستقلة أو مجلس أعلى تنفيذي وفعال وبقانون جريء ومعطاء لإدارة وتوجيه البحث العلمي التطبيقي، بعد فصل البحث العلمي عن وزارة التعليم العالي، ليحسن ويطور جودة المنتجات الصناعية والزراعية والغذائية القائمة لكي تزيد قيمتها التنافسية، ويقلل نفقات انتاجها لزيادة الاقبال عليها، وأن نبحث حاجات الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية والتي يمكن ان ننافس فيها بمنتجات جديدة بأفكار محلية خلاقة ومبدعة، وأراها في أربعة منتجات مطلوبة بكثرة؛ وهي سوق الصناعات العسكرية الدفاعية الخفيفة والمتوسطة، وسوق تصنيع المنتجات الغذائية ذات الجودة والأسعار المنافسة، وسوق صناعة وتجميع السيارات الاقتصادية وقطع الغيار والتطوير عليها (بعقود امتياز)، وسوق صناعة سخرة التكنولوجيا والتقنية. وعلينا في العام الأول أن نضع خطة عمل تطبيقية منطقية لخمسة أعوام، ونخصص لها بند ميزانية لا يقل عن عشرة ملايين دينار سنويا، نزاوج فيها بين معطيات ومخرجات البحث العلمي التطبيقي الموجه والدقيق من جامعاتنا ومختبراتنا المختلفة وعقولنا المبدعة، وآلية تطوير تنافسية وانتاجية وجودة الصناعات الوطنية القائمة، وافتتاح خطوط انتاج جديدة لمنتجات مطلوبة، لتحقيق منتجات تقابل متطلبات الاسواق المذكورة. وهنا فان كل القطاع الخاص وأرباب الصناعات والمستثمرين مدعوون للشراكة ضمن خارطة طريق محكمة، وعلى كل الجهات المعنية معرفة دورها بدقة متناهية ضمن الخطة المذكورة، وتقديم المساعدة والتسهيلات حسب الاختصاص كالجامعات والمعاهد، ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة النقل، والجمارك العامة، والملكية الأردنية، والمطارات، والموانيء، وهيئة تشجيع الاستثمار، والتشريعات والأنظمة ومن يعمل عليها، ودوائر الجودة والمقاييس، ومختبرات الجمعية العلمية الملكية، وغيرها … الخ. وعلينا تعريف نقاط الضعف والقوة والفرص والتحديات، وعلينا أن نعرف درسنا جيدا، فان المستقبل لا يرحم، ولا مكان فيه للضفعاء الذين لا يبدعون فلا ينتجون، والذين يتلقون المساعدات ويعيشون عليها ولا يبدعون بل يستهلكون. أما ان بقي الوضع على ما هو عليه، فهذا يعني أننا نضمحل، وسنصل الى الإفلاس، والذي لا قدر الله تعالى سيبيع الدار ويسلبنا حرية صناعة القرار، فاننا اليوم كمن تحطمت سفنهم في البحر والعدو من أمامهم، ولا نجاة لهم سوى حسن التدبير، في عالم فيه عرض وطلب وتنافس، وفناء لمن يستهلك التكنولوجيا ويتنعم بها دون ان ينتجها، وبقاء لمن يقرأ ويفكر فيبدع، ألم تكن أول آية في القرآن الكريم “اقرأ”.
بالحقيقة الأمر ما زال قابل للسيطرة، ولا أبالغ اذ أستشرف المستقبل بالقول بأنه يمكن أن يتحول بلدنا الى نمر اقتصادي وعلى المستوى العالمي، يؤدي بنا الى الرفاه المجتمعي والسؤدد، وان نصل الى يوم فيه لدينا فائض ميزانية، وكذلك وفر للأجيال القادمة، حيث أن هنالك كمون عظيم جدا في الأردن يستحق أن نجرب، فلدينا عقول مبدعة ومدبرة، وطاقات شبابية متميزة تحب العمل، وأيدي عاملة، وفوق كل ذلك لدينا إرادة.
هذا ولأن الأردن يقع من الجهات الشمالية والشرقية والغربية على حدود بعض الدول، والتي تشهد ساحاتها اما عمليات ارهابية بين الفينة والاخرى، من خلايا وتيارات ذات اعتقادات سياسية ومذهبية مختلفة، أو نزاعات داخلية من نواتج الربيع العربي والأمور غير واضحة بما ستؤول اليه، ويضاف الى ذلك حدوده الممتدة مع الأراضي المحتلة، فان صمود الجبهة الاردنية أمر حيوي وغاية في الاهمية للتصدي للارهاب ودوافعه من ناحية، وللوقوف بثبات أمام المطامع الجيوسياسية من ناحية أخرى. ولما كان الاردن هو البوابة الشمالية من الناحية الجغرافية على دول الخليج العربي الشقيقة، والتي تحتوي على ما يزيد عن نصف الخيرات العالمية من الثروة النفطية التي تمد العالم بالطاقة والحركة والاستدامة، فهذه دعوة مفتوحة نحو اتفاقية شراكة مع مجلس التعاون الخليجي من أجل استقرار العالم، كما وأنها دعوة الى كل دول العالم لدعم صمود الأردن، حيث تجدر الاشارة الى التكلفة الاقتصادية المرتفعة للجهود العظيمة والحثيثة واليومية للمنظومة الأمنية الأردنية وقواتنا المسلحة الباسلة، في كبح جماح الارهاب الفكري والمادي وأدواته المختلفة والذي يحاول التسرب من الحدود للأراضي الأردنية، حيث تحتوي أجهزتنا الامنية وقواتنا المسلحة الخبرات التراكمية والطاقات البشرية المؤمنة بنبل غايتها، والمدربة على أعلى المستويات والجاهزية وسرعة الاستجابة والرد، والمزودة بأحدث آلات وأدوات مكافحة الارهاب ووسائله والتصدي له. كما وتجدر الاشارة الى المكانة السياسية العالمية التي صنعها جلالة الملك للأردن، من الانفتاح والحوار، وايصال رسالة المنطقة وتحدياتها لدول العالم، بما في ذلك الصراع العربي الاسرائيلي، والحاجة الملحة للسلام والاستقرار وسبل ذلك. وأن الاردن وبما قدم ويقدم من واجب ودور أخلاقي تجاه أمته العربية والاسلامية، من استضافة أفواج اللاجئيين الذين نجوا بأنفسهم من ويلات الحروب والدمار وغيرها، وعلى حساب اقتصاده ذات الموارد البسيطة والشحيحة، ما زال يقف اليوم وفي ظل الازمة الاقتصادية العالمية -وبالرغم من الاثار السلبية لها داخليا- مكملا لواجبه ودوره، ويحافظ على منظومته الأمنية، مشكلا درعا واقيا وقلعة حصينة أمام امتداد الأرهاب أو مخرجات النزاعات المجاورة على أراضيه، والتي كما أسلفنا تعد البوابة الشمالية لدول الخليج العربي الشقيقة، والتي نعتز بالشراكة معها ونسعى للمزيد، لكي يزداد هذا الدرع صلابة وتزداد هذه القلعة حصانة، في وقت تزداد فيه التحديات والضغوطات الاقتصادية. كما ويستمر الأردن في حراكه السياسي لالتزاماته نحو المنطقة، ويشكل بذلك بوابة يرتكز عليها الاستقرار العالمي، الامر الذي يدعو الى أقصى درجات التكامل المبني على التفاهم والتعاون المشترك في شتى الميادين ما بينه وما بين دول الخليج الشقيقة وليس أقلها الاقتصادية، لأن ما تواجهه الدولة من ضغوطات أسبابها اقتصادية بحتة، وتسيس اليوم لتحريك المواطن والشارع، بدليل أنه وعلى مدى الاشهر الماضية وبالرغم مما شهدته الساحة من اعتصامات واضرابات والتي تعد بالآلاف، لم ترق نقطة دم واحدة.
هنالك خطوات مطلوبة وهامة:
1- ومن أجل اللامركزية، يجب ايجاد ثلاثة مناطق تنموية رئيسية في المملكة، داعمة بأهدافها لجهود التنمية مع الحكومة المركزية وبما لا يتضارب مع الخطط الحكومية، أو قد يؤدي الى الازدواجية، وبميزانية سنوية لا تقل عن خمسة عشرة مليونا ولا تزيد عن ثلاثين مليون دينار وحسب الكثافة السكانية والاتساع الجغرافي لكل منطقة، ووضع خطة تنموية شمولية هادفة وعلى وجه السرعة للنهوض بكل منطقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ضمن برامج عمل ومنهجيات واضحة ينبثق عنها خطط عمل وبرامج تنفيذية زمنية، لتطوير البنى التحتية والفوقية والقطاعات الخدمية وايجاد مشاريع تشغيلية للشباب والاناث وعلى مراحل زمنية، وتكون محركاتها الاقتصادية ومصادر دخلها بالاعتماد على تخصيص مبالغ سنوية من مشاريع حكومية قائمة في نفس المنطقة ومن صندوق تنمية المحافظات، مع أخذ ميزات المحافظات التخصصية بعين الاعتبار (زراعي، اقتصادي، صناعي، سياحي … الخ)، وكما يلي:
أ- المنطقة الجنوبية وتغطي محافظات العقبة ومعان والطفيلة والكرك وبدو الجنوب.
ب- المنطقة الوسطى وتغطي محافظات مادبا والعاصمة والسلط وجرش وعجلون وبدو الوسط.
ت- المنطقة الشمالية وتغطي محافظة اربد والزرقاء والمفرق والرمثا وبدو الشمال.
2- وعلى وجه السرعة اعادة وزارة التموين الى حيز الوجود لتسليط الرقابة على الاسواق لحفظ قوت وغذاء المواطنين من طمع وجشع وعبث بعض كبار التجار، وتتبع سلسلة المنتج الغذائي والحد من تكلفة مدخلات الانتاج من مواد أولية ومصاريف تشغيلية ونفقات الرواتب للموارد البشرية من العمالة الوافدة لتخفيض الاسعار ما امكن وبما يعود على المواطن بالنفع.
3- انضاج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على أسس وأطر من الثقة، وزيادة منهجة رقابة العطاءات الحكومية والاشراف عليها
4- الصحراء الشرقية في أحواض السرحان والحماد غنية بالمياه الجوفية العميقة، والغاز والنفط، وتحتاج الى مزيد من الاستشكاف، ومن الحكمة ومن ناحية اخرى اشغالها بالمشاريع والسكان لتقليل أسباب يعلل بها مروجو فكرة الوطن البديل امام الرأي العالمي دواعي هذا المشروع الخطير، اضافة الى أهميتها في تقليل المد السكاني نحو الاراضي الصالحة للزراعة، وحل مشكلة وأزمة السكن، ومشاكل المدن الكبرى والتي أصبحت مزدحمة
5- اعادة ترتيب واقع العمالة الوافدة بين الطلب والحاجة الفعلية لسوق العمل، وما يمكن أن يقوم به المواطن المحلي، هذا يقلل الضغط على الحوالات بالعملة الصعبة، ويفتح فرص العمل لابنائنا في كثير من المهن التي يشغلها العمال الوافدون (بغض النظر عن طريقة دخولهم المملكة سواءا بجواز أو ما ينتج اليوم عن أفواج المهاجرين)
7- خارطة الطريق لمكافحة الفساد:
يجب في البداية تعريف الفساد وأنواع الفساد من نواحي علمية وفنية، ومن ثم وبكل بساطة فان وضوحية وشمولية القوانين والانظمة ومدى تطبيقها وتكثيف الرقابة وبمنهجية ودورية، وحوسبة الاجراءات الحكومية المختلفة والاستحقاقات والتعيينات في الوظائف العليا في الحكومة وغيرها، ووضع أسس لكل ما يتعلق بصرف المال العام، والتصرف بأموال وممتلكات الدولة، طريق لتجفيف منابع الفساد
خطوات هامة:
1- تسريع البت بالقضايا المنظورة امام القضاء
2- تطبيق القانون وتفعيل الرقابة وبما يتوازى مع حفظ كرامة المواطن في الوزارات والمؤسسات الحكومية واجهزتها المختلفة
3- تعزيز دور ديوان المحاسبة ومديريات الرقابة الداخلية في الوزارات والمؤسسات الحكومية
4- الايعاز للوزراء والمدراء العامين ورؤساء الهيئات المستقلة بضرورة متابعة سير العمل اليومي لديهم في وزاراتهم ودوائرهم ومديرياتها واقسامها وفرض القانون والرقابة الداخلية ومنع الترهل والالتزام اليومي بالدوام والقيام بالمهام الموكلة لكل موظف وتحسين جودة واداء الخدمة المقدمة للمواطنين وسرعة الاستجابة، من شأن ذلك تعزيز هيبة الدولة واعادة ثقة المواطن بالحكومة.
8- خارطة الطريق للحد من العنف الجامعي:
ما يدور في جامعاتنا من عنف بالحقيقة ليس ممنهج، وبالحقيقة هنالك حلين تكامليين، ويكمن الحل الأول وبكل بساطة في حوسبة الامتحانات لكل المواد الجامعية ونقل العلامة لكل امتحان مباشرة –واؤكد هنا مرة أخرى، مباشرة ولكل امتحان؛ الاول والثاني والنهائي- عبر شبكة الجامعة الداخلية الى التسجيل، فهنا ستخلو الامور من عامل الخطأ البشري واعتماد الطالب على عامل الواسطة والمحسوبية، وسيشعر بجدية الحاجة لتكثيف الدراسة والبحث لكي ينجح في المادة، وهذا سيشغل وقت الطالب على الاغلب. ومن ناحية اخرى سيتطلب ذلك من أستاذ المادة أن يكثف العطاء العلمي كما ونوعا لطلبته ضمن المساق خلال الفصل، فهو الذي سيلام لو ارتفعت نسبة الرسوب وتدني العلامات في شعبته عن نسبة معيارية معروفة للمادة ذاتها. وهذا سينعكس ايجابا على جودة التعليم، ومخرجات العملية التدريسية، ونوعية الخريجين مستقبلا وسوق العمل. أما الحل الثاني والرديف فهو أن يكون لكل مادة جامعية 25% من العلامة تخصص لبحث يتعلق بالمادة، يناقش في نهاية الفصل من لجنة من أعضاء هيئة التدريس، وهذا سيوجه الطلبة نحو المزيد من الجدية، ويشغل وقت فراغهم داخل الجامعة، وعلى أن يكون هنالك تشاركية في ذلك بين مجموعة من الطلبة في الشعبة الواحدة.
ويجب الاشارة الى أن الجامعات تعد روح الدول، ومحركاتها التنموية الفعلية، وأن الارتقاء بالجامعات وتفعيل دورها في البحث العلمي، الذي ينتج عنه اختراعات وابتكارات في مجالات صناعية وزراعية وخدمية، تحسن جودة المنتجات ومنافسيتها، أمرا ينعكس ايجابا على انتعاش الاقتصاد الوطني، مما يحد من مشاكل الفقر والبطالة، ويرفع مؤشر الرفاه الاجتماعي للدولة على مستوى العالم (من رواتب وخدمات وبنية تحتية)، فضلا عن الارتقاء بجودة الخريجين، الأمر الذي ينعكس على جودة التعليم الاساسي في مدارسنا لاستمرار وزيادة ونمو عطاء الأجيال تصاعديا لا تنازليا، وأداء الموارد البشرية من حملة الشهادات المختلفة في مختلف مؤسسات القطاع العام والخاص، بالاضافة الى تفعيل خدمة المجتمع، وتفعيل برامج التطوير لمختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص، بالتدريب ونقل المعرفة، فضلا عن أهمية الارتقاء بدور الجامعات المحلي والعالمي بتفعيل المؤتمرات العلمية العالمية والمحلية وورشات العمل، وبرامج التبادل العلمي الثقافي والاكاديمي والمعرفي ونقل الخبرات، وترويج الوطن وطاقات شبابه.
ولا بد من الاشارة الى سوء الموازنات المالية للجامعات وارتفاع النفقات الجارية فيها أمام الرأسمالية، كما وأن هنالك أمورا كثيرة ساهمت في تدهور التعليم العالي وذلك لغياب الاسترتيجيات المدروسة، وما نتج عنها كظهور البرامج الربحية كالموازي والدولي والمسائي ومنح الدرجات العليا، وفتح الابواب للجامعات للتركيز على النواحي الاقتصادية اكثر من نوعية التعليم، وتدني معدلات القبول، وارتفاع اعداد الطلاب فوق الطاقة الاستيعابية لمختلف التخصصات، وعشوائية التخصصات والتوسع الافقي والعمودي غير المدروس أمام حاجات السوق والمنطقة، فضلا عن عشوائية التعيينات في المواقع الاكاديمية التدريسية (بلا تفصيل)، وما رافقها من هجرة الكفاءات، هذا بالاضافة الى الحاجة الملحة لصقل شخصية الطالب في المدرسة قبل وصوله الجامعة، باعطاء حيز للمدارس والهيئات التدريسية فيها بتحديد مستوى ونتيجة الطالب التي تؤهله للجامعة فيما بعد.
ونشير هنا الى التهميش المتعمد والذي عاناه ويعانيه الأكاديميون من الحكومات وعلى مر الخمسة عقود الماضية، وظهور صناع قرار حكومي في الحكومات المتعاقبة بمواقع حساسة من منظرين وفلاسفة وهواة ومصطنعين في الاقتصاد والسياسة من أحضان الذوات والواسطات، ندفع اليوم ثمن أخطائهم بميزانية عاجزة تعيش على الأمل بالمساعدات وعلى جيب المواطن، كما ونشدد على الحاجة الملحة للنهوض بالجامعات كقوة ومصير للدولة الاردنية، فهي طريق الوطن للاستدامة والاستمرار وتحسين الاداء المؤسسي، والنهوض بالواقع الاقتصادي والتربوي والاجتماعي، مما ينعكس عنه قوة الدولة وقراراتها، ولذلك فان الجامعات وسياسة التعليم العالي في المملكة بحاجة الى وقفة طويلة ومراجعة شاملة، وبحاجة لطروحات جريئة.
لقد تدارست الحكومات المتعاقبة في جلسات وجلساء غير متخصصين أحداث الجامعات، وتوصلت الى مجالس أمناء شكلية، وبعض التدابير، والتي لم تؤت أكلها، وفي كل يوم مشاجرة، وفي كل مرة يضطر الدرك للفصل بين الطلبة، مما حدا ببعض الدول الشقيقة بتقليل أعداد مبتعثيها الى جامعاتنا، وأساتذة الجامعات يعيشون في كل جامعاتنا حالة من الاحباط، والبحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اسم فقط، وموازنة الدولة تعاني شح الموارد والعجز، بينما تكمن التنمية الحقيقية في مخرجات وخريجين الجامعات.
والحل الجذري والوحيد يكمن اليوم بالبحث العلمي التطبيقي، والذي يجب أن يفصل عن وزارة التعليم العالي في وزارة مستقلة (اليوم قبل الغد)، على أن تقوم هذه الوزارة بالتعاون مع الجامعات وأساتذتها وطلبتها من مختلف المستويات والتخصصات، ومع القطاع الخاص والصناعات المختلفة، ووزارات الصناعة والزراعة والمياه والطاقة والسياحة وغيرها، بمخرجاتها البحثية التطبيقية من نواتج البحث العلمي التطبيقي، نحو التطوير والابتكار، وتحسين جودة المنتج الوطني وزيادة منافسيته على المستوى المحلي والعالمي.
فبدلا من دورها كمحركات تنموية اقتصادية نحو النمو والعطاء، فان الجامعات اليوم أصبحت مكانا تحاك فيه أسباب الفرقة والتفرقة والعصبيات الجهوية والقبلية بين الطلبة، وتجرنا الى ما حاول الربيع العربي جرنا اليه خلال السنوات القليلة الماضية، فلما لم يجد ذلك في مجتمعنا، فيبحث عنه في الجامعات…، فالجامعات محركات ترسم مصير الدولة، صعودا أو انتكاسا… ونريدها لمجد الوطن ورفاه المواطن وليس غير ذلك.
9- نحو بيئة مستدامة:
تعد البيئة الفيزيائية هبة الله تعالى لبني آدم ليستخلفهم في الارض، فلا يجب أن تكون التنمية على حساب البيئة، ولا يجب أن تحد قوانين البيئة من الممارسات التنموية، نحتاج الى موازنة بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة. هذا يدعو الى قوانين بيئية شاملة وواضحة ومتزنة، وتفعيل تطبيقها.
10- الرفاه المجتمعي مطلب عادل وطريق للعطاء:
من حق الجميع في المملكة كبارا وصغارا، ذكورا واناثا، التنعم والترفه ببرامج ووسائل وبنى ترفيهية هادفة تضعها الحكومة، فالفرد والاسرة والموظف لا يستطيعون الاستمرار بالعطاء دون الترويح الدوري عن النفس، ضمن أطر يقبلها ديننا الحنيف.
ما هو مستقبل الدولة الأردنية؟
وبعد كل هذا العرض، لا بد من الاجابة على السؤال “ما هو مستقبل الدولة الأردنية؟”، فبالرغم من تعامل حكومة النسور مع بلد يتطلع الى التنمية الحقيقية، وأنه لم يكن هنالك أي تحقيق فيزيائي تنموي مستدام على أرض الواقع في عهده، مما حدا به قبل أشهر وفريق من حكومته، بالتوجه للعقبة واصطحاب فريق اعلامي، لتغطية تفقده لمشاريع قائمة بالأصل، وكان المواطن (الشعب) الركن الذي اعتمدت عليه الحكومة، والتي وعلى مدى الشهور الماضية رفعت أسعار السلع والمحروقات والضرائب، بينما بقيت الرواتب تراوح مكانها أمام ارتفاع الأسعار القسري والذي لجأ اليه التجار لتعويض خسائرهم، فكان أرباب الأسر بين فكي الضرائب من ناحية، وارتفاع الاسعار لمختلف السلع والخدمات من ناحية أخرى، في وقت تراكم فيه أبنائهم الخريجون في البيوت لوقف فرص العمل والتعيينات في القطاع العام، وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب أية اعداد لجمود أو لوقف العطاءات الحكومية في ميزانية 84% منها نفقات رواتب وتقاعد، مما بعثر الاستثمار الحقيقي (الاستثمار بتعليم الابناء) والذي يعني الكثير للشعب، ونتج عن ذلك تخلخل في موازين اجتماعية، أدت الى رفع سن العنوسة، وظهور العنف المجتمعي والجامعي، ونمو الجريمة المنظمة.
فبالرغم من كل ذلك، فلقد عبرنا الربيع العربي ومخرجاته بسلام، ودون اراقة دماء بحمد الله تعالى، لا بل أن هنالك شهداء من رجال الامن ممن دفعوا حياتهم ثمنا لتهدئة الشارع، ولقد استقرت الامور الاقتصادية بالرغم من اعتماد الحكومة على جيب المواطن، وأن بلد التين والزيتون هذا والذي بارك الله تعالى حوله، وحباه بالقيادة الهاشمية الحكيمة والقريبة لقلوب الشعب، سيستمر وستسمر أجياله بالعطاء، وأن دولتنا (الارض والشعب والحكومة) قوية ولم ولن تهزنا العواصف الاقتصادية ولا السياسية، وأن أرض مؤتة واليرموك والكرامة خالدة برجالها كابر عن كابر الى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.