صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
القضايا ، او المشاكل الشخصية او الفردية ، يمكن ، لا بل يُفضَّل ، او يُفترض التستر عليها ، تطبيقاً للحديث النبوي الشريف (( وإذا بُليتم فاستتروا )) صدق رسول الله محمد بن عبدالله . أما القضايا المتعلقة بالوطن ، يفترض ان يُعتبر التستر عليها أمراً خطيراً . قضايا الوطن يجب وضعها على طاولة جهات الاختصاص ، وتشريحها ، وعدم اغفالها ، لا بل سبر اغوار تفاصيلها ، وآثارها ، ومعرفة اسبابها ، والبحث عن حلول لها ، قبل إستفحالها .
أرى ان من يقول ان المخدرات في الاردن ليست منتشرة ، وان استخدام تعبير بان الاردن ما زال (( ممراً وليس مقراً ))، مقولة غير دقيقة ابداً ، وقد تكون خاطئة تماماً . وأرى ان إستمراء ، واستسهال استخدامها فيه ضرر كبير على الوطن والمواطن ، ويساعد على انتشارها بشكل اكبر ، مما يزيد من خطرها وضررها . ارى انه لابد من الاعتراف بان المخدرات بكافة اشكالها اصبح تعاطيها والإتجار بها يصل لدرجة الظاهرة . الا اذا ودت الجهات المختصة مقارنتنا بالدول التي تسمح بتعاطيها والقياس على ان نسبة تداولها عندنا ما زالت منخفضة مقارنة مع تلك الدول . اذا كان ذلك فهذا لا يستقيم ، لان تلك الدول سمحت بالتعاطي لان انتشار المخدرات فيها وصل لدرجة إستحالة محاربتها والحد من انتشارها . ثم ان تلك الدول المسموح فيها التعاطي عندما تُقدِّر نسب التعاطي تستند الى ارقام حقيقية دقيقة وصحيحة عن عدد المتعاطين ، لان معظم المتعاطين لا يتسترون على تعاطيهم للمخدرات ، بينما نحن على العكس تماماً ، فان المتعاطين ومن يَتَجِر بها لديهم اساليب شيطانية في الإخفاء والتخفي .
اقترح على مسؤولي وطني الحبيب ان يعترفوا بان انتشار المخدرات اصبح ظاهرة ، وربما تجاوزتها الى ان أصبحت عقبة كأداء يصعب السيطرة عليها باساليبنا التقليدية . لذلك اقترح ضرورة فرض فحص لإثبات عدم تعاطي المخدرات للكثير من المواطنين مثل : — ١) ارى ان فحص وشهادة الخلو من تعاطي المخدرات يجب ان يكون من شروط صحة عقد الزواج . ٢) والقبول في المدارس ، والجامعات ، والمعاهد ، والكليات العسكرية والمدنية بمختلف انواعها . ٣) والتقدم للوظائف الحكومية والقطاع الخاص ، والتقدم للوظائف العليا في الدولة . ٤) والتقدم لفحص الحصول على رخص القيادة . ٥) واعتبار الفحص شرطاً للحصول على الرخص التجارية …وغيرها ، لأن هذا الاجراء له ايجابيات عديدة منها : انه يكشف متعاطي المخدرات ، ثم انه قد يَحُد من انتشارها .
يضاف الى ذلك ، ولضبط الامور ، ولقطع الطريق على تزوير مثل هذه الشهادات يُفترض ان لا يُكتفى بشهادة من اي مختبر بل يجب ان تصدر الشهادة من مختبرات معتمدة حكومية او خاصة ، وان يتم فرض عقوبة صارمة ، وكفالة بنكية او ما شابه على الكوادر الفنية التي ستتولى عملية الفحص واصدار الشهادة للالتزام وتجنب تزوير الشهادات .
عدم الاعتراف في المشاكل التي يعاني منها الوطن يُعقِّدها ، واذا طال السكوت عليها ستزداد تعقيداً ، لابل قد يستحيل حلها مما يفكك بنيان الوطن . إغماض العيون عن الخطر ، وعدم الاعتراف به لا يلغي وجوده بل يُعظِّم آثاره حتى يستفحل ويستعصي على الحل .
ما يعاني منه وطني الحبيب ، في أحايين كثيرة ، ان الجهات الرسمية لا تتحرك وتأخذ الامر على محمل الجد في الوقت المناسب . وللتدليل على ذلك هناك أمثلة كثيرة اورد مثالين الأول : — أُذكِر بما سُمي ب (( البورصات )) التي انتشرت قبل عقد من الزمان ، وسرت كسريان النار في الهشيم ، ونجحوا في خداع الوف الاشخاص ، وجمعوا ما يقارب المليار دينار على ما اعتقد . وكانوا يتحركون بحرية تامة ، وعلى مرأى ومسمع كل الجهات ذات الصلة ، ولم يُحركوا ساكناً ، مما جعل الكثيرين يفسرون ان عدم اتخاذ الحكومة اجراءاً ضدهم يؤكد صحة نشاطهم . وقد إستشارني عدداً من الاقارب والاصدقاء والجيران ونهيتهم وحذرتهم من التعامل معهم لان هناك امراً خطيراً لا اعلمه . ولم يأخذوا بنصيحتي ، وقال لي بعضهم بانه لو ان هناك خطراً من التعامل معهم لن تسمح لهم الحكومة وهم يتعاملون جهاراً نهاراً ولهم سنوات وهم مستمرون في نشاطهم . والمثل الثاني :— عندما تم اتباع سياسة الامن الناعم ، والتوقف عن متابعة والقاء القبض على المجرمين واصحاب السوابق ، حتى اصبحنا نستيقظ يومياً على سرقة عدة سيارات في الليلة الواحدة ، ونُهبت العديد من البيوت ، مما راكم مئات القيود على بعض المطلوبين ، الى ان تم تغير النهج بتغير الاشخاص ، وبدأ الأمن يعود رويداً .
عوداً على موضوع انتشار المخدرات تعاطياً وإتجاراً ، ارى ان المشكلة تعاظمت لدرجة ان الناس بدأوا يتعايشون معها كأمر محتوم لا مناص منه ، وعلى اعتبارها امراً واقعاً ، وهذا فيه خطر كبير . يقول المثل (( مِن رد عِدُه ما شرد )) . نعرف جيداً ما تبذل اجهزتنا الامنية من جهود كبيرة للسيطرة على هذا البلاء الذي حلّ بنا ، لكننا نتمنى عليها ان تضاعف جهودها وان تتحرك بقوة ، وحزم ، وابتداع أساليب ، ووسائل ، وطُرق حديثة لإعادة الأمور الى نصابها باسرع وقت ممكن . يكفي وطننا الحبيب ما فيه من مصائب وكوارث وعلل اغلبها وصل درجة الاستعصاء على العلاج . تنبهوا ، استفيقوا ، استيقضوا ، واتخذوا اجراءات حاسمة حازمة ، فالجامعات تحديداً اصبحت اوكاراً للمخدرات تعاطياً وإتجاراً .