بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
إستيقظت الغابة يوماً على صوت عال بالقرب من البحيرة، قام الثعلب بإستطلاع الأمر ليجد أن الصوت لثور قدم إلى الغابة حديثاً، وبعد أن علم الثعلب بانزعاج الأســد ملك الغابة وخوفه من الصوت، قال في نفســه: هذه فرصتي لأتقرب من ملك الغابة وأفوز بصداقته من خلال إستغلال هذه الفرصة الذهبية، وعلى جناح السرعة ذهب للأسد وقال له: يا مولاي إني أحد رعاياك وسأضع نفسي في خدمتك لو أذنت.
فقال له الأســد وهو يسمع ذلك الصوت المخيف: أتســمع ذلك الصوت؟ إنه قوي يبدو لحيوان ضخم، ليستأذن منه الثعلــب بالذهاب والتحقق من صاحب ذلك الصوت.
وأذن له الأســد فأسرع الثعلب للثور ليجده خائفاً من أن يراه الأسد فيفترسه، وبعد حوار طويل إستطاع الثعلب أن يقنع الثور بمقابلة الأسد، وبالفعل إلتقى الأســد بالثور فوجده طيباً ذكياً، ومع الأيام أصبح صديقه ومستشــاره المقرب.
لكن هذا الأمر لم يعجب الثعلب بالتأكيد والذي أكلته الغيرة من مكانة الثور العظيمة عند الأســد، فهذا ما كان يتمناه لنفســه، وبعد تفكير قرر أن يدبر خدعة للتخلص من الثور، فذهب باكياً للأســد وقال له: يا مولاي الأســد، تعرف حبي وإخلاصي لك، وكم يؤلمني ما يقوله عنك الثور في الغابة، إســتغرب الأســد وقال له: وماذا يقول الثور؟
فأجاب الثعلب بمكر شديد: يقول أنك حيوان ضعيف وجبان، وأنك تكرمه خوفا منه.
وعندما أحس الثعلب أن الأسد بدأ بتصديقه، أسرع لإكمال خطته الشريرة فتوجه للثور قائلاً: صديقي الثور الطيب، ســمعت الأســد يقول لمن حوله أنك أصبحت ســميناً وينوي الغدر بك وأكلك فجئت أحذرك.
ودون أن يتأكد كل من الأسد والثور من صحة كلام الثعلب المكار شب خلاف كبير بينهما إنتهى بموت الثور.
ودارت الأيــام والحــزن لا يفارق الأســد، حتى سمع أحد الحيوانات الثعلب وهو يردد: أنــا من دبــرت هذه المكيــدة لأتخلص من الثــور وأحوز على مكانتــه عند ملــك الغابة، وعندما علم الأسد بالأمر جاء بالثعلب ليحاكمه فوراً.
ووضع الثعلب في القفص في النهاية، فقال الأسد: الآن ظهر الحق، أنت وراء ما حصل أيها الثعلب المكار، وستنال عقابك على خبثك وشرك.
وهنا كانت خاتمة القصة التي جمعت ثلاثة حيوانات الأسد والثعلب والثور كما وردت في كتاب يعرفه كثير منا هو كتاب “كليلة ودمنة”، مؤكدة لنا هذه القصة ضرورة الإجتهاد في النأي بأنفسنا عن ذلك الثعلب وأمثاله من “المستغلين” للمواقف ممن يعشقون الصعود على أكتاف الآخرين ولو بالكذب والخداع، وكذلك النأي بأنفسنا عن ما فعله ذلك الأسد ومثله الثور وأمثالهم من “المتسرعين” ممن يصدقون أي معلومة يسمعونها ويبنون قراراتهم عليها دون التحقق منها ومعرفة مصداقيتها.