صراحة نيوز – ضمن المحافظ بدر محمد بدر القاضي رسالة بعثها الى وزير الداخلية ثاني وصايا ردا على قرار احالته على التقاعد تاليا نصها .
بسم الله، والحمد لله الذي حرّم الظلم على نفسه في حديثه القدسي ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”. والصلاة والسلام على أفضل وخير خلق الله، سيدنا محمد العربي الهاشمي، المبعوث للناس رحمة ومعلما ومتمما لمكارم الأخلاق، وناهيا عن الظلم ” فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”.
فأمّا قبل:
السلام على وطننا الجميل، ودوحتنا الهاشمية مهما بلغ الظلم وأعوانه من القوة والمكانة عتيا؛ فلكل بداية ظالمة نهاية، والظالمون – يوم الحساب – مالهم من ولي ولا نصير. فوا أسفاه عليهم، سيما الذين بلغوا من العمر عتيا، وباتوا من قبورهم قاب قوسين أو أدنى، فمهما سهوا عن أمر الله وآياته، الداعية إلى العدالة والمساواة، والنأي بنفوسهم عن الظلم- فسيعلمون أي منقلب سينقلبون، ولن ينفعهم قريب أو بعيد.
وأمّا بعد:
فالسلام على من آمن بالعدالة و المساواة، وتجسدت واقعا جميلا في فكره وعمله، فله في القلب متسع من المحبة، وستبقى الألسن تلهج له بالدعاء أناء الليل وأطراف النهار؛ جزاء له بما كان يعمل، ويعدل.
معالي وزير الداخلية
أما وقد صدر قرار إحالتي على التقاعد، بعد أيام ستة من ترفيعي محافظا – وهو قرار فيه من السخرية والغرابة ما يحمله – فقد وجدت نفسي راغبة في كتابة ومضات،وربما هي وصايا، سمِّها ما شئت، تجول في الخاطر، ، لا أستطيع صمتا عنها، ارتأيت أن تكون ماثلة أمامكم.
أولها، أقول: ما هكذا – يا معالي الوزير- تورد الإبل، فأعتقد، والاعتقاد من أعلى مراحل اليقين، بأن القرارات المصيرية المتعلقة بالحكام الإداريين والموظفين، خاصة الإحالة على التقاعد، تقتضي العودة إلى ملفاتهم الوظيفة، ودراستها جيدا بعدالة ونزاهة وموضوعية؛ لإعطاء كل ذي حق حقه، وكل مجتهد نصيبه، بعيدا عن المحسوبية والواسطة والغايات الشخصية. أما أن تتخذ مثل هذه القرارات الهامة والمصيرية هكذا اعتباطا دون أسس ومعايير ثابتة ومحددة، فيها يمنح من لا يستحق، ويحرم المجد؛ فذلك ما لا نرتضيه لأنفسنا، وهو الظلم بعينه. فاتقوا الله في سعيكم وعملكم؛ فالقبر قريب، قاب قوسين أو أدنى، ولن ينفعكم حينه قريب أو بعيد. نسألك اللهم حسن الخاتمة.
ثانيها، أقولها دون منة ولا تملق أو تحيز: بأنني أعتز وافتخر بانتسابي إلى وزارة الداخلية التي تشرفت بالعمل فيها سنين طوال، وفي الميدان، على امتداد ساحات الوطن الجميل ، حيث كانت رؤية الوزارة ورسالتها حاضرة في نهجي وعملي، وأداء واجب الأمانة والمسؤولية بعدالة ونزاهة، وعلى أكمل وجه- وبشهادة أبناء المجتمعات المحلية في كافة الوحدات الادارية التي كان لي شرف العمل فيها، إضافة إلى سيرتي الوظيفية وملفي – تحقيقا لرؤى قيادتنا الهاشمية، الهادفة إلى تحقيق الآمال والأهداف المنشودة في البناء والتنمية، والمحافظة على سيادة القانون والنظام.
ثالثها، تلك “التراجيديا “أو المأساة الممثلة في القرار الظالم بإحالتي إلى التقاعد بعد أقل من أسبوع من ترفيعي إلى محافظ، … أليس من حق الذين يشهد لهم بالنجاح في عملهم ان يأخذوا فرصتهم ام انها اصبحت من المحرمات عليهم وهو حق معلوم، وطموح مشروع؟ نعلم جيدا يا معالي الوزير أن نهاية المطاف التقاعد، لكن أن يكون بهذه الطريقة المجحفة، ونهب الحقوق ومنحها لغير مستحقيها، فهذا ما لا نرتضيه أبدا!!
رابع هذه الومضات يكمن في سيناريو هذه التراجيديا، الذي تم إخراجه بطريقة تحاكي لعبة الشطرنج وأحجارها، حيث تم فيها الخلاص من مجموعة محافظين بعد ترفيعهم قبل أقل من أسبوع، واستثناء من شملته مظلة المحسوبية و غيمة الواسطة. الحكاية باختصار يا معالي الوزير هي: حق مسلوب، ومنحة في غير مكانها. فوراء الأكمة ما وراءها.
أمّا الخامسة، فهي تلك المفارقة العجيبة في اقوالكم وافعالكم – اقوالكم الداعية الى العدالة والمساواة واحقاق الحق والاشادة بدور الخبرات والكفاءات الشابة التي تقدح في العزيمة والجد وضخ الدماء الجديدة ، وافعالكم التي خلت من هذه المضامين السابقة ، فأين القرار من ذلك ؟ واين الحقوق ؟ واين العدالة ؟ واين ….
والسادسة منها، رغبتي الأكيدة في تذكيركم بما تعلمون لا بما تجهلون، بأنّ قيم الانتماء والولاء قد تموت على عتبات الظلم وعدم العدالة وتندثر، وتدفع المظلومين إلى التغريد خارج السرب. ولعلّ هذا ما تطمحون إليه؛ فإن كان الأمر كذلك فلتعلم بأنني آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالاردن وطنا، وبالهاشميين قادة . فهذه أبجديات الحياة، تعلمناها منذ بدء الكلمة، وستبقى راسخة في الذاكرة والقلب والوجدان قولا وفعلا ونهجا.
والسابعة منها، فتلك والله لكبيرة، وعواقبها وخيمة؛ فهذا القرار الجائر سيكون له فضاءاته وإيحاءاته، ونتائجه القائمة على الأهل والعشيرة الواحدة؛ فالضغينة ستطلّ برؤوسها؛ لتنفث سموم الحقد والكراهية بين أفراد العشيرة الواحدة. فانت يا معالي الوزير تعرف ، وانا أعرف ، وكل الضمائر الحية في الوطن الحي تعرف ،ان قصدي نقاء الوطن من المحسوبيات والتشلل كما يريد جلالة الملك وان مقاصدي العدالة ، واللبيب من الاشارة يفهم .
أمّا الثامنة، فقد جالت بخاطري الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، هذه الأوراق التي تتضمن رؤية جلالته للإصلاح الشامل، التي ركزت في كثير من محاورها على سيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فقد أشار جلالته في الورقة النقاشية السادسة إلى “الإدارة الحصيفة التي تعتمد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في نهجها”.
كما اعتبر جلالته موضوع التعيينات في المواقع الحكومية وبخاصة المناصب العليا من أكثر المواضيع التي يتم التطرق إليها عند الحديث عن الواسطة والمحسوبية، فقال: ” وقد شهدنا في السنوات الأخيرة بعض الممارسات بهذا الخصوص، والتي أرى فيها تجاوزا على مؤسساتنا، وإثقالا لها وللمواطن بموظفين غير أكفياء، وتجريدا وحرمانا لها من الكفاءات والقيادات التي تساهم بالارتقاء بها والنهوض بعملها في خدمة الوطن والمواطن. وهنا، لا بد من الالتزام بمبدأ الكفاءة والجدارة كمعيار أساس ووحيد للتعيينات”.
كما تحدث كثيرا عن لواسطة والمحسوبية، فقال:”لا يمكننا الحديث عن سيادة القانون ونحن لا نقرّ بأن الواسطة والمحسوبية سلوكيات تفتك بالمسيرة التنموية والنهضوية للمجتمعات، ليس فقط بكونها عائقا يحول دون النهوض بالوطن، بل ممارسات تنخر بما تم إنجازه وبناؤه وذلك بتقويضها لقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وقيم المواطنة الصالحة، وهي الأساس لتطور أي مجتمع.
فلا يمكن لنا أن نقبل أو نغض الطرف عن هذه الممارسات التي تقوِّض أسس العمل العام في خدمة مواطنينا”. فأين أنت يا معالي الوزير من ذلك كله؟
معالي وزير الداخلية:
هي وصايا ثمانية، أختمها بدعائي للمولى عز وجل أن يحسن خاتمتنا، وأزيد على ذلك:لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا … فالظلم آخره يفضي الى الندم
وسلام على العادلين.
بدر محمد كريم القاضي
– نسخة دولة رئيس الديوان الملكي الهاشمي العامر
– نسخة دولة رئيس الوزراء الأفخم