صراحة نيوز – بقلم د . ابراهيم بدران
في أكثر من مناسبة، قال الدكتور بشر الخصاونة رئيس الوزراء،” إننا بحاجة إلى ثورة في الاسثمار”، حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من التعافي من جهة، والسيطرة على منحنى البطالة المتصاعد (24 %) من جهة ثانية، والتغلب على ما خلفته الكورونا من إشكالات اجتماعية وفقدان للوظائف واتساع مساحات الفقر لتشمل أكثر من 15 % من السكان من جهة ثالثة. وقبل ذلك تكرر الحديث عن الثورة البيضاء لإصلاح الإدارة الحكومية، والثورة الخضراء للنهوض بالزراعة والثورة الزرقاء للثروة السمكية وغيرها ولكن يبقى السؤال في كل مرة : من هم الثوار؟ و ضد من سيطلقون الثورة التي ستؤدي إلى تغيير حقيقي؟
في موضوع الاستثمار من هم الثوار الذين سيخلصون المستثمر من القيود والمعوقات التي تثقل كاهله باستمرار؟ هل المطلوب من الشعب أن يثور من أجل الاستثمار؟ أو تثور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من أجل ذلك؟ أم مجلس الأمة بنوابه وأعيانه؟ أم المستثمرون أنفسهم؟ وعلى من يثور كل هؤلاء؟
بالتأكيد لا هذا ولا ذاك . فالمستثمر يبحث عن البيئة الجاذبة، وإذا لم يجدها في مكان ينتقل بمشاريعه إلى بلد آخر. المطلوب من الحكومة ذاتها ومن إداراتها أن تثور على نفسها من أجل الاستثمار ومن أجل الإدارة ومن أجل الزراعة ومن أجل مستقبل الأردن.
بعد ثورة الاتصالات والمعلومات ، والثورتين الصناعيتين الثالثة ثم الرابعة، وانهيار الاتحاد السوفياتي وأفول الأيديولوجيا الاشتراكية، وتعمق تيار العولمة، و تراجع أهمية الحدود بين الدول، بعد كل ذلك تغيرت مواقف المستثمرين في أنحاء العالم. فلم يعودوا يتعلقون ببلد بعينه، وإنما يستعرضون خريطة العالم ليبحثوا عن أكثر البلدان يسراً، وأيها أقل كلفة وأعظم فرصة ليتجهوا نحوها. وقد ساعدت ثورة المعلومات والاتصالات جميع المؤسسات الدولية الرسمية والأهلية والأكاديمية، بأن تنشر في كل عام ولجميع دول العالم، الأرقام المتعلقة بمختلف جوانب الحياة الإنسانية والمجتمعية والاقتصادية، بما فيها كل التفاصيل التي يهتم بها المستثمر. ثم يرتبون الدول تصاعديا أو تنازليا ليعرف القارىء أين تقع كل دولة في المجال الذي يريد، وليتخذ قراره على ضوء ذلك.
إن الاستثمار المتطلع إلى النجاح يقوم على (15) دعامة رئيسية، فعادة تضع التقارير الدولية لها مقاييس رقمية، وينبغي على كل بلد مراجعتها باستمرار لمعرفة الموقع الذي يحتله في كل مجال، وعلى النحو التالي:
أولاً: سهولة البدء بالأعمال والمشاريع. وهنا يحتل الأردن المرتبة (75) بين دول العالم، وتسبقه العديد من الدول. فالإمارات العربية مثلاً تحتل المرتبة (16)، والكيان الصهيوني المرتبة 35، وقبرص 54 والمغرب 53 والهند 63، وفيتنام، التي دمرتها الولايات المتحدة، في المرتبة 70. والترجمة العملية لهذه الأرقام أن هناك 74 دولة تتفوق علينا بسهولة الإجراءات. فمن المسؤول عن التغيير؟
ثانيا: الحصول على الكهرباء حيث يحتل الأردن المرتبة 69 بين دول العالم. لماذا يكون تزويد الكهرباء بهذا التأخير والتصعيب؟ مع العلم أن لدى الأردن شبكة كهربائية ممتازة تغطي كامل أنحاء المملكة؟ ولدينا فائض في الاستطاعة التوليدية؟ ولدينا فرص جيدة للطاقة الشمسية. هل قرأت وزارة الطاقة وهيئة تنظيم قطاع الطاقة وشركات الكهرباء الأرقام؟ ثم تساءلت لماذا؟ وهل تعاونت فيما بينها لإيجاد حلول مناسبة تعطى الأردن منزلة متقدمة في هذا المجال؟
ثالثا: تراخيص البناء أو أذون الإنشاءالتي يحتل الأردن المنزلة 103 بين الدول. لماذا؟ وما الأسباب ؟ ومن المسؤول عن هذه التعقيدات التي تضع 102 دولة امامنا؟ ومن هو الثائر المنتظر لتهوين هذه العقبة الكأداء؟ رابعاً: تسجيل الملكية الفكرية حيث يحتل الأردن المنزلة 76 وهي منزلة غير مبررة مع العلم أن هذه المسألة تحتل أهمية خاصة لدى المستثمر و خاصة في مجالات التكنولوجيا، ويعتمد عليها في تسجيل علاماته التجارية واختراعاته وإضافاته.
خامسا: حماية صغار المستثمرين اذ يحتل الأردن منزلة متوسطة، مما يعني أن صغار المستثمرين يخشون التهديد لشعورهم بعدم التمتع بالحماية الكافية، سواء إزاء المؤسسات المالية، أو الإغلاق، أو حالات العسر و الإفلاس، أو الابتزاز أو فرض الخاوات التي أطلقت الدولة حملة ضدها لم تصل إلى نهاية حاسمة بعد.
سادساً: التجارة عبر الحدود مازالت التجارة البريّة معقدة قبل الكورونا. وتضع الاردن في مرتبة متأخرة خاصة أن الأردن يفتقر إلى شبكة سكة حديد. إن التجارة عبر الحدود هي البوابة الرئيسية للتصدير و التي يتطلع إليها المستثمر باهتمام خاصة حين يكون حجم السوق المحلي صغيرا كما هو الحال لدينا. و تشمل هذه المسألة مفردات متعددة كالنقل والطرق والجمارك والتصاريح وغيرها. فمن هي الجهة التي يفترض أن تثور هنا وتدخل التغييرات لكي يتحسن موقع الأردن في هذا المجال؟ ومن هي الجهة التي تربط بين شبكة سكة حديد تغطي المملكة وبين جاذبية الاستثمار؟
سابعا: الالتزام بإنفاذ العقود حيث لا يحتل الأردن مكانة متقدمة في هذا المجال، مما يثير المخاوف والشكوك لدى المستثمر. هل الثائر المنتظر هنا القضاء، أم التشريع، أم وزارة الصناعة، أم وزارة العدل، أم هؤلاء جميعا؟ ثامناً: كلفة الاستثمار وهي مسألة بالغة الاهمية للمستثمر، وأحد العوائق الرئيسية أمام إقبال المستثمرين على الأردن، وخاصة حين يقارنها مع العديد من الدول المجاورة. حيث يعاني المستثمر ارتفاع كلفة المشروع سواء في الأرض أو الإنشاءات أو مستلزمات الانتاج أو الرسوم والجمارك، مما ينعكس سلبياً على إمكانات التمويل وربحية المشروع، مقابل كلفة الاستثمار الأقل تماماً في دول مثل السعودية والإمارات ومصر وتركيا وقبرص. ما الذي يدفع تجاه ارتفاع كلفة الاستثمار؟ وماالمفردات التي يمكن تغييرها؟
تاسعاً: كلفة الطاقة إن الطاقة هي العمود الفقري لأي مشروع حديث، وتؤثر بقوة في كلفة الإنتاج. ويعود ارتفاعها الى ارتباك إدارة القطاع، والرسوم المرتفعة المفروضة على المشتقات النفطية والكهرباء، مقابل الرسوم المنخفضة جداً في دول مجاورة .هذا مع العلم أن شركات الكهرباء تحمّل المواطن تكلفة اضافية بسبب فائض الاستطاعة التوليدية لديها. من الذي ينبغي أن يثور على هذه الحالة؟ المواطن أم الإدارة الحكومية؟
عاشرا: نقص المهارات في الوقت الذي يعاني الأردن من بطالة 24 % من قواه العاملة، ولديه في الوقت نفسه 1.25 مليون من الأيدي العاملة الوافدة فإن القطاعات الصناعية والزراعية تطلب مزيداً من العمالة الماهرة الأجنبية بسبب النقص في المهارات الوطنية. كيف يتشجع المستثمر للاستثمار حين تكون العمالة الماهرة غير موجودة ؟ هل يعقل أن وزارة العمل ومؤسسات التدريب والكليات التطبيقية لا تستطيع حل هذه المشكلة المزمنة بالتعاون مع القطاع الخاص ومؤسساته النوعية؟
حادي عشر: الأجور يبحث المستثمر دائماً عن البلد الذي تكون فيه معدلات الأجور منخفضة أو مقبولة. والمنافس الرئيسي للأردن في هذا المجال مصر وتركيا ودول شرقي اسيا. وبالتالي لا بد من دراسة الموضوع، ووضع خطط وطنية مناسبة، خاصة أن الغلاء في الأردن وارتفاع الأسعار يدفع بالأجور إلى التآكل مما ينعكس سلبياً على الاستثمار.
ثاني عشر: سعر العملة وثباتها من حسن الحظ أن سعر العمله الأردنية ثابت ومعروف، ويستطيع المستثمر أن يتعامل بها بثقة.
ثالث عشر: الشركات الكبرى والبنوك مازال دور الشركات الكبرى والبنوك في جذب المستثمرين وتشجيهم محدوداً للغاية، علماً أن لدينا بنوكا وشركات صناعية عريقة تحتاج إلى كثير من الصناعات القبلية و البعدية. لكن التعامل مع المستثمر ليس كما في الدول المنافسة، خاصة بعد بيع بنك الإنماء الصناعي وإلغاء دوره وعدم المبادرة إلى تصحيح هذا الخطأ حتى اليوم.
رابع عشر: البنية التحتية لدى الأردن بنية تحتية جيدة على المستوى العام ولكن التعامل مع تفصيلاتها يضع المستثمر في صعوبات عديدة وخاصة في المحافظات. الأمر الذي يتطلب المراجعة الجذرية من منظور الاستثمار حتى يمكن تعظيم الإفادة في هذا الاتجاه.
خامس عشر: الاستقرار والأمن يتمتع الأردن بالأمن والاستقرار الذي يجب أن نعمل جميعا على تدعيمه وتقوية مفرداته ويجب أن يتعمق مفهوم الأمن وتتوسع مظلته لتشمل المحافظات والأرياف لكي يشعر به المستثمر أيا كان موقع الاستثمار. فيتوجه المستثمرون للمحافظات بعيداً عن التراكم في العاصمة او ما جاورها.
وفي النهاية فإن الثورة المطلوبة هي ثورة الإدارة على نفسها ومن أجل المستقبل وثورتها على إجراءاتها، وثورتها على عدم اكتراثها وثورتها،على البطء في التغيير وثورتها على الأرقام التي تضعها في موقع متأخر بين الدول. إن المواطن والمراقب والباحث وحتى منظمات المجتمع المدني والأحزاب والعلماء، والمفكرون يمكن أن يساعدوا في تقديم الأفكار والحلول ولكن الثورة المطلوبة هي ثورة الحكومة على نفسها فهل تفعل ذلك؟ هذه هي القضية.