جانبك : نعم هي ليست رمانة هي ثقافة مجتمع، وقلوب مليانة
29 ديسمبر 2021
صراحة نيوز – بقلم العميد المتقاعد زهدي جانبك فلا يظنن احدكم ان الموضوع حرص على الدستور، أو اختلاف على كلمات.
بداية لا بد أن أشير الى أنني لا أتفق مع من امسوا علينا بالأمس وصابحونا اليوم بضرب الْخُدُودَ، وشَقَّ الْجُيُوبَ وفعلوا ما لم يفعله ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يستصرخ قريش ببطن الوادي واقفا على بعيره ، قد جدع بعيره ، وحوّل رحله ، وشق قيمصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، اللطيمةَ اللطيمةَ ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوثَ الغوثَ فاورد قومه موارد الهلاك…
هؤلاء اللطامة اعتدنا عليهم مؤخرا كلما حدث حادث خرجوا علينا بزعيقهم ونعيقهم ولا أشك لحظة بانهم إنما يريدون ان يوردونا ما أورد ضمضم قومه…
وهم بلا أدنى شك سلكوا نفس مسلكه، فهو لم يخرج من تلقاء نفسه، وإنما استأجره ابو سفيان وطلب منه أن يقوم بهذا الدور، فلم يكتف بما طلبه منه سيده، وإنما تجاوز ذلك فجدع بعيره حتى يستثير الناس، فخرجوا كالانعام بل هم اضل سبيلا ظانين ظن السوء بانهم يستطيعون ان يقلبوا الباطل حقا وان الباطل سينتصر بهم.
ولهذا ابدأ بتوضيح ان الفزعات المصطنعه في كل مرة يثور بها العنف في المجتمع هي تمثيلية يقوم بها اصحابها بقصد وعلم أو بجهل ودون قصد،… وفي كل مرة كنت اكتب موضحاً ان ما نشهده من عنف ما هو إلا انعكاس حقيقي لثقافة مجتمعنا المبنية على العنف ، وكل ما يقوم به ويقوله البعض من استنكار أو رفض ما هو إلا موقف نفاق بامتياز لا يلبث ان يتغير اذا تم وضع القائل موضع الامتحان، فنراه لا يلبث ان يلجأ الى نفس الاسلوب الذي يستنكره.
ما بين امس واليوم انقلب اللطامين اتباع ضمضم الى ملائكة لا تؤمن بالعنف مستنكرين ما حدث بمجلس النواب، وكأنه يحدث لأول مرة. مع ان ما رأيناه امس هو وجهنا الحقيقي الذي نراه في المرآة بدون نفاق أو تجميل أو زينة…
سيداتي سادتي، هذا نحن، وهذه ثقافتنا، فالعنف موضوع عادي جدا لدينا…. هل نسينا إطلاق النار بكلشن داخل المجلس قبل 8 سنوات… وهل نسينا التهديد بمسدس تحت القبة قبل 9 سنوات ، ، هذه فقط أبرز المشاكل واشهرها… الله يرحمك يا ابو محمد يحيى السعود… ويرحم النائب ابو زنط….
بمجلس النواب الحادي عشر 1989 تم إشهار مسدس تحت القبة بوجه النائب ابو زنط رحمه الله…وسكت المجلس، بعدها قام النائب جمال الخريشا بمهاجمة توجان فيصل بمكتة سجائر… بعدها احمد عويدي العبادي يقضم إذن منصور مراد، ثم تكرر إظهار المسدس من العدوان تحت القبة، وتبع ذلك إطلاق النار من كلشن من النائب العشا…
فالمسألة ليست الهاء كما يدعي البعض… المسألة سلوك اجتماعي مبني على لجوء ضعيف الحجة الى العنف لفرض رأيه… المشكلة : لا أحد يقبل انه اقلية عند التصويت فيلجأ الى العنف لتغطية على ضعفه…
المشكلة انه لا أحد يرضى بسماع رأي مخالف لرأيه… فيلجأ للعنف لفرض رأيه….
الحقيقة اننا نخطيء جميعا اذا اعتقدنا ان السبب هو الالهاء، بل ان حجة الالهاء بذاتها أصبحت وسيلة الهاء لنا لكي لا نرى سلوكهم على حقيقته …
الموضوع ثقافة شعبية يترجمها نواب الشعب تحت القبة…
ويترجمها طلاب الجامعات في الجامعة… وترجمها المهندسون والأطباء وغيرهم في النقابات في انتخاباتهم…
وترجمتها العشائر في مشاجراتها المسلحة…
باختصار فإن هذه الصورة التي نتناقل الفيديوهات الخاصة بها منذ الامس هي حقيقتنا المجردة…
هي صورتنا الحقيقية في المرآة… وهي ثقافة مجتمع….للأسف
نعم هي ثقافة العنف لفرض الرأي، وليس خوفا أو حرصا على الدستور.
إذ ان دستورنا العتيد الذي بدأ عام 1928 لم يستمر اكثر من 18 سنة عندما تم تعديله واستبداله بدستور عام 1946 وهذا الدستور بدوره لم يعمر اكثر من 6 سنوات حيث تم الغاءه جذريا واستبداله بدستور عام 1952 وهو الدستور الذي نتغنى به اليوم، على الرغم من انه وللأسف لم يعمر اكثر من سنتين عندما خضع لتعديلات جوهرية عام 1954، بالمواد 53، 54، 74، 78، 84.
ثم ما لبث ان خضع لعملية تجميل أخرى عام 1955 وتم تعديل المواد 65، 73، 78.
ولم تمر سوى اربع سنوات ليتم إدخال الدستور العتيد إلى غرفة العمليات التجميلية عام 1958 حيث تم تعديل المواد 33، 45، 54، 57، 59، 102، 113، 123.
ولم تمر سوى اربعة شهور فقط ليخضع بعدها الى عملية تجميل جديدة ويتم تعديل المواد 33، 45، 102.
وبعد اقل من سنة ونصف وبشهر شباط 1960 تم إعادة الدستور العتيد إلى غرفة العمليات ليخضع مرة أخرى الى تعديل المادة 68.
ثم تم منح الدستور فترة نقاهة لغاية عام 1965 وتم فيها تعديل المادة 28 ، ليصمد بعدها ولأول مرة دون تعديل لمدة 8 سنوات.
ليعاد بعدها الى غرفة العمليات لتعديل المادة 88 سنة 1973.
وبعد سنة واحدة فقط عاد الى المسلخ ليتم تعديل المواد 34، 73، سنة 1974.
وبعد سنتين تم تعديله مرة أخرى عام 1976 وتعدلت المادة 73.
لتخضع نفس المادة للتعديل مرة أخرى عام 1984.
وبعدها انعدل حال الدستور العتيد لمدة 27 عام ليتعرض بعدها عام 2011 لأكبر عملية تجميل حيث خضعت المواد:
6، 7، 8، 9 ،15، 16، 18، 20، 27، 42، 45، 50، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 67، 71، 73، 74، 75 ، 78، 84، 88، 89، 94، 98، 100، 101، 109، 112، 119، 122، 128. وعملية التعديل هذه ليست عملية تجميل وإنما تحويل جذري…
وبكل الأحوال لم تمض سوى 3 سنوات، ليتم عام 2014 تعديل المواد ، 67، 127.
واعيد الدستور العتيد بعدها بسنتين اي عام 2016 الى غرفة العمليات ليتم تعديل المواد 40، 42، 50، 69، 75، 127.
ثم الهمهم الله الصبر فصبروا 5 سنوات قبل البدء بعملية التعديل بهذا اليوم من عام 2021….
فاي دستور الذي تتحدث عنه؟
دستور عام 1952 الغى دستور عام 1946 نهائيا من جذوره…
دستورنا العتيد تم وضعه قبل 68 سنة ومن حينها خضع الى 13 عملية تعديل شملت : 80 مادة من مواده ال 131 مادة…
وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع عمليات التعديل كان لها معارضين، داخل المجلس وخارجه،… ولكنهم اي المعارضين، لم يلجؤوا الى العنف لفرض رأي الاقلية المعارضة…
لا بد من العمل على تعزيز السلم المجتمعي وعلى نبذ ثقافة العنف السائدة في المجتمع الأردني حتى كادت ان تصبح ثقافة مميزة لهويته الجامعة بكافة مكوناتها، زالمستندة الى اهم ركائز الدولة المتمثلة بقيم المواطنة الحقة، القائمة على المواطنة الكاملة، والمواطنة الصالحة، والمواطنة الفاعلة.