بكامل هيئته العسكرية المهيبة ، وحضوره المقنع الحازم ، أجاب رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن محمود فريحات على الأسئلة المدروسة بعناية لمحطة البي بي سي العربية ، في وقت إقليمي بالغ الخطورة والتعقيد ، ليعيد ترتيب الموقف الأردني من التطورات الإقليمية من وجهة نظر عسكرية ، مثلما يعيد القائد الميداني تنظيم قواته في الميدان عندما يتوقف القتال لفترة محدودة أو دائمة .
في الأردن جلالة الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الجيش العربي ، وما يقوله أو يفعله رئيس هيئة الأركان مستند إلى ما يريد أن يقوله أو يفعله جلالة القائد الأعلى الذي يتابع بنفسه جميع الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للصراع الدائر في المنطقة ونتائجها وأثرها المباشر وغير المباشر على الأردن ، الذي ناله نصيب من الإرهاب ، وحدد بشكل واضح موقفه من مما يجري على الأرض العربية من أزمات غير مسبوقة في التاريخ الحديث ، وتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه اللاجئين السوريين ، وذلك فوق طاقته مثلما هو معروف وملموس .
يمكن قراءة تصريحات الفريق محمود فريحات من عدة زوايا ، فقد شملت الاحتياطات العسكرية على الحدود في غياب جيش منظم في الجهة المقابلة والاحياطات الأمنية من الداخل في ضوء التعامل مع الخلايا الإرهابية التي أمكن ضربها في مهدها رغم الخسائر الناجمة عن بعضها ، وآخرها في الكرك ، كما شملت عرضا للموقف العسكري الراهن على الأراضي السورية والعراقية ، وتوازنات القوى الإقليمية والدولية المشتركة في الصراع ، وخاصة الامتداد الايراني فيما كان يطلق عليه جلالة الملك الهلال الشيعي ، وفي ذلك ما يدل على أن الحسابات مفتوحة على احتمالات كثيرة .
مع تزايد القناعة بالحل السياسي الذي دعا إليه جلالة الملك منذ اندلاع الصراع في سوريا ، وتغير المواقف كما هو حاصل في التنسيق الروسي التركي ، وبوادر التفاهم الروسي الأمريكي ، لا بد أن نتذكر أن أول من أوضح موقفه تجاه الحلول السلمية في سوريا للجانب الروسي هو جلالة الملك خلال محادثات بالغة الأهمية مع الرئيس بوتن في وقت كانت فيه تلك الحلول بعيدة عن التفكير .
فإذا كان ذلك هو الاتجاه بالنسبة للمرحلة فالأردن ليس بحاجة لإقناعه بما سبق وأن دعا إليه ، أما إذا كان الصراع مرشحا لمزيد من المعارك الحاسمة عندما يستكمل النظام السوري سيطرته على كامل التراب السوري ، وسواء بالقضاء على داعش ، أو إنهاء دور المعارضة المسلحة فإن الحدود الشمالية للأردن ستكون قريبة جدا من ميدان المعارك الفاصلة ولن يكون بإمكانه إلا أن يتعامل من الاحتمالات العسكرية !
تصريحات الفريق فريحات من المؤكد أنها تدرس باهتمام على المستوى الخارجي ، فهي إضافة نوعية للموقف السياسي ، ولكن على المستوى الداخلي فهي إشارة واضحة على خطورة المرحلة ، وما تفرضه من وعي وتضامن وطني ، وحشد للامكانيات والقدرات ، فقد حان وقت الاختبار الكبير لنا جميعا لكي نحمي بلدنا ، ونصون كياننا ، ونحفاظ على منجزاتنا ومصالحنا العليا .
الدكتور يعقوب ناصر الدين
www.yacoubnasereddin.com