صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
إذا ما تجولت في عمان او حضرت مباراة كروية فقد تسمع مفردات وتعبيرات لا تعرف المقصود منها. في المقاهى وساحات المدارس وبين الجماعات الـ “فيسبوكية” ومستخدمي التطبيقات الالكترونية احاديث واشارات ورموزا يصعب فهمها واستخدامها.
في أوساط الشباب والاطفال والنساء وبين التجار والزراع والسواقين وأينما ذهبت تسمع مفردات واصطلاحات غريبة ومتنوعة. الكثير من هذه المفردات تم اشتقاقها او نحتها واستخدامها للتعبير والتفاعل الداخلي. للمهن والشلل والجماعات مفردات وطقوس يفهمها الاعضاء ويستجيبون لسماعها او التعرض لها. بعض هذه التعابير والاصطلاحات لا معنى لها خارج أطر الجماعات التي أوجدتها.
في الأردن يهيمن الوجدان الرعوي الزراعي على طرق التفكير والشعور والسلوك ومع ذلك يوجد العديد من الاشتقاقات والأقوال التي لا ترتبط بالتجربة الرعوية الزراعية.في حالات كثيرة تسهم الفنون والاشعار والطقوس والامثال والحكم والاقوال والاقتباسات والاغاني في تقوية الروابط وتعميق الفهم وتوحيد المشاعر للافراد الذين يستخدمونها. الرموز اللفظية والصور الذهنية والتشبيهات وسائل مهمة لاختزال المعاني وتقليص المسافات ورسم حدود المجال الخاص والمسافة الفاصلة بين الجماعة وغيرها من الجماعات الأخرى.
الفساد واستغلال الوظيفة العامة والبذخ والإنفاق غير المبرر ظواهر يمارسها البعض وتلقى استهجانا واستنكارا وادانة شعبية واسعة. في الثقافة الشعبية يوصف الاسراف واستسهال التطاول على المال العام بأنه “جمعة مشمشية”. تشبيه الإسراف وتفتح الشهية للإنفاق والبذخ بالجمعة المشمشية له ما يبرره. فالمشمش فاكهة تنضج في اوائل الصيف وينضج المحصول وينتهي في أيام أو أسابيع قليلة. في هذه الفترة القصيرة يقبل الناس على استهلاك المشمش بنهم وشهية ليأخذوا نصيبهم من هذه الفاكهة الطيبة قبل انتهاء الموسم.
ما بين اصطلاح المشمشية واصطلاح “في المشمش” فرق كبير في الاستخدام والسياق والمعنى. ففي حين أن المشمشية وصف لحال الإنفاق غير المنضبط يستخدم مصطلح في المشمش للتعبير عن استحالة التحقق او رفض الطلب فيقال لمن يقول بأنه يخطط لعمل كذا وكذا ” في المشمش” كتعبير عن استحالة تحقق مثل هذه الخطط او تنفيذ هذه الطموحات.
في بلادنا ينقسم الناس بين من يشبهون تصرفات وعلاقة غيرهم بالمال العام بالجمعة المشمشية ومن يرون ان الوعود والخطط والاهداف التي يجري الحديث عنها بعيدة المنال وغير قابلة للتحقيق ويردون على كل من يروج لها بالقول ” في المشمش”. ما بين شهية البعض للإنفاق والبذل وتشاؤم وقنوط البعض الآخر نقف اليوم.
ما لم تصبح السياسات أكثر وضوحا وترتبط الخطط والمشروعات بجداول زمنية ومخصصات مالية ومؤشرات قياس كمية سيبقى الجميع أسرى لثقافة تهكمية ساخرة ومزاج يخيم عليه الاحباط والاستياء والغضب وتسيره اللغة الاتهامية التي تفتت الجهود وتعزز الانقسام.
بعيدا عن الإنفاق والإحباط شهد الأردن توسعا ملحوظا في زراعة المشمش واللوزيات بمختلف انواعها. على امتداد الحدود الشمالية أنشأ البدو عشرات المزارع المتخصصة في انتاج المشمش واصناف اللوزيات الاخرى. بالرغم من محدودية الخبرة الزراعية وقلة الدعم الحكومي فقد نجحت المئات من العائلات الأردنية في توفير حاجات الأردن من المشمش دون ان يتحقق حلمهم بان يتوقف البعض عن النظر للبلاد وما فيها كجمعة مشمشية.