صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
منذ سنوات يدور الجدل حول قوة الصين الصاعدة واحتمالات تحولها إلى القوة العالمية الأولى لكن التحليلات الأكثر واقعية لم تكن ترى هذا الاحتمال واردا ولأسباب ومعطيات كثيرة جادلت بها، وبالتالي لا تر نهاية قريبة للقرن الأميركي ولا انقلابا دراماتيكيا لموازين القوى الجيوسياسية. أما على الأرض فقد ظلّ المشهد مخاتلا وعصيا على التصنيف فالصين تتعملق اقتصاديا دون طموح سياسي- عسكري ولا يكاد يظهر لها صوت أو مكان في بؤر الصراع الساخنة، تنأى بالنفس ولا تطمح لأي نفوذ أو دور مقابل السعي الحثيث لعلاقة شراكة وتعاون اقتصادية منفعية صرفة مع كل الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة. هذا حتى جاء ترامب الذي بدأ يشكك ويشكو ويتوعد وينقلب على العولمة وما أرساه أسلافه في العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول وفي المقدمة الصين ويتخذ إجراءات حمائية وعقابية. لكن حتى هذه السياسة كما هي طريقة ترامب في كل شيء تقلبت بين تقدم وتراجع والبحث عن تسويات وفي كل مرة هاجسه الشعبوية والمنافسة الانتخابية، فلا تظهر أي رؤية إستراتيجية تنضبط لها المواقف والسياسات الآنية، حتى أتت جائحة كورونا التي تتوافق كثير من التحليلات أن أداء الصين فيها كان أقوى وأفضل من الغرب ومن الولايات المتحدة التي ستزداد ضعفا مقابل الصين. وهذا الإحساس كما يبدو بدأ يفعل فعله.
توجد وجهات نظر أميركية ترى في الصين المنافس الأخطر والخطر القادم لكنها لم تترجم نفسها إلى رؤية وتوقعات حاسمة بشأن المستقبل القريب. ومن الطريف أنه من عندنا بالذات ظهرت “نبوءة” العام الماضي عن حرب عالمية بين الصين والولايات المتحدة في 2020. وأعني نبوءة الاقتصادي المعروف طلال أبو غزالة التي لم تؤخذ طبعا بجدية. ولو تجاوزنا المعنى الحرفي لحرب عسكرية فنحن اليوم فعلا في وضع حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين حسب قول رئيس المجلس الوطني الاقتصادي الأميركي السابق كليت وليمز، أو أننا في الطريق لا محالة إلى حرب باردة سوف تسم مرحلة ما بعد كورونا وسوف تستقطب العالم بين معسكرين مع بقاء نسبة واسعة تراوح بدرجة أو أخرى في معسكر “عدم الانحياز”. لن تكون حرب سباق نووي ورؤوس صواريخ موجهة لأهداف في الدولتين بل حرب اقتصادية وتكنولوجية وأيديولوجية سياسية تستخدم وسائل الضغط والعقوبات والمقاطعة واستخدام كل الوسائل لإضعاف الصين وربما خلق المشاكل السياسية الداخلية للنظام الشمولي الذي يتنكر لحقوق الإنسان والحريات ..الخ.
شيطنة الصين هي عنوان السياسة القادمة ونقطة البداية تحميلها مسؤولية انتشار كورونا – ليس وفقا لنظرية المؤامرة – بل نتيجة إخفاء الصين المعلومات والبيانات من البداية بسبب نظامها القمعي غير الشفاف مما ألحق الضرر الفادح بالولايات المتحدة، وكثير من التصريحات والمقالات تعيد وتزيد عن تمنع الصين عن السماح للوصول للمعلومات الحقيقية والبيانات. ويكرر ترامب تصريحات حادة تحمّل الصين مسؤولية المذبحة الجارية وليس صدفة تشبيهها بالهجوم الياباني الغادر على ميناء بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية وأسوأ كثيرا.
الخطافة التي ستعلق بها الصين بلا انفكاك هي مطالبتها بالكشف عن الحقيقة وفتح عالمها المغلق وتمكين التحقيق من الوصول إلى الأماكن والمختبرات والبيانات، والصين طبعا سترفض وستبقى مدانة بسبب ذلك ويبقى الموقف مفتوحا للتصاعد بلا نهاية ليأخذ شكل حرب باردة ذات أبعاد أيديولوجية شاملة. ونواة الخطاب الأيديولوجي هو التفسير الذي يقدم اليوم لنجاح الصين وفشل الغرب في احتواء الوباء وهو وجود نظام شمولي لا إنساني يستخدم أحدث أدوات التكنولوجيا والاتصال وإدارة البيانات ليسيطر على حياة الأفراد ويراقبهم ولا يعترف بخصوصياتهم بعكس الغرب الذي يحترم الخصوصيات والحريات. ويقدم بعض الخبراء مشهدا مخيفا لتزاوج الشمولية والتكنولوجيا الرقمية وخصوصا الجيل الخامس للإنترنت الذي تطبقه الصين اليوم متقدمة على الغرب وهو يتيح سيطرة مخيفة على كل شيء وكل شخص ويحقق للنظام في الصين ليس السيطرة الداخلية فقط ولكن السيطرة على مستوى العالم وسيكون الغرب غدا هو الضحيه.