صراحة نيوز – بقلم حسن محمد الزبن
رئيس الحكومة بعد عامين من التكليف السامي لدولته، يقوم بالتعديل الخامس باستئذان من جلالة الملك قبل أيام، وحتى أكون منصفا ولا أتحامل على هذه الحكومة، رغم نقدي لأداء الحكومات الأردنية عموما في أكثر من مقال، ومن باب أننا كأردنيين نطمح في حكومة قوية غير مرتجفة تضع حدا لكل التجاوزات في العمل العام، ولكل من يستقوي بالوظيفة والمنصب العام، لتحصيل المكاسب والمنافع والنفوذ، وأن تقطع الطريق على كل من يحاول العبث أو المساس بهيبة الدولة، فهذا المساس يصيب كل مواطن وكل مؤسسة أُسست أركانها على أكتاف جيل كامل في المئوية الأولى، ونُذرت لأجل الوطن النفوس والسواعد، وحبات العرق الطاهر، ويعز على كل البنائين السياسيين والاقتصاديين والعاملين في الدولة أن يتصدع أي من أعمدة الدولة، أوأي ركن من أركانها العزيزة والمقدرة، أو أن تشوه بأداء ركيك لا يخدم المسيرة الأردنية عبر تاريخها العريق المُشرف، والذي يطاول قامات دول.
ولن أكون مجاملا، فقد كانت هناك انتقادات على الحكومة، حين كانت تكتفي بالصمت، أولحظة تواريها عن أحداث تلامس الشارع، أو من صلب الهم الوطني، لكنها كانت كمن يرى الحدث مجرد زوبعة بفنجان، أو نار بنفاضة سجائر، سرعان ما تهدأ، أو تنطفئ، دون أن تكلف الحكومة نفسها الاشتباك والرد والوقوف برأي معين يقنع الشارع أن الحكومة حاضرة في العرس أو الجنازة، فالشارع الأردني لا يهمه ما هي حساباتها، أو طريقة تفكيرها، أو طرق إدارتها للمعالجة، كان مهما أكثر له أن تكون الحكومة حاضرة، فهذا الشعور للشارع كان محل استفسار وتساؤل، وفي حين آخر كنت تجد هذه الحكومة أخذت موقفا حازما يفاجئ الشارع، ورأيها فعلا يتناغم مع صوته وأفكاره وهواجسه، أقول هذا كانطباع كان متداولا، فالحكومة معنية بدراسة سيكولوجية الشعب، لا تغيبه، ولا تتغيب عنه، وأظنها وجدت لتبني توازنات ورؤى ترتقي بالوطن والمواطن معا، بثقة وإرادة قوية تعبر عن وجودها في كل الأحداث والمناسبات، في كل المحن والملمات.
فيما يبدو للبعض أن الشارع ليس معنيا أو مهتما بأي تعديل للحكومة حتى لو وصل التعديل العاشر، نؤكد أن ما يهم المواطن هو تغيير النهج، وطريقة إدارة الدولة، بمعايير الصدق والشفافية، ومعايير النزاهة والعدالة، وتطبيق الحاكمية الرشيدة، لتنفيذ البرامج التي بين يديها الآن، وهو ما تمخض عن جهود لجان اقتصادية وسياسية كانت ورشة الديوان الملكي الحاضن لهذا الجهد والعطاء والأمل لأجل تحسين أداء الحكومات لعشر سنوات قادمة، وكلنا يدرك أن أصحاب المعالي وحتى رئيس الحكومة لم يكن لديهم برامج محددة للرؤية التي يمكن أن تنطلق في تنفيذها للمستقبل، سوى مؤشرات وتوجيهات التكليف السامي، وأنها كانت محكومة بتسيير أعمال فرضتها جائحة كورونا، وكان فيها من الثقل وحمل المسؤولية ما فرض نمطا معينا للأداء الذي اتسمت به كل مؤسسات الدولة، وكان على المواطن ثقلا لا قدرة له على تحمله بمفرده دون مساندة الدولة، ولكن اليوم بدأ بالمحسوس العام أفضل من تلك الفترة الصعبة التي مرّ بها الوطن حكومة ومؤسسات وأفراد ومجتمع، ونمضي ويجب أن نتجاوز كل المعيقات، حتى وإن كانت الحرب الروسية- الأوكرانية لها ظلالها على الاقتصاد الدولي، وعسكرة الشرق والغرب، والسياسات القطبية التي تقود العالم، فيجب أن يكون لدى فكر الدولة أدوات التحصين المسبقة لأي تنبؤات في هذا الخصوص، فعلىالحكومة أن تكون أولى الأولويات لها التعجيل في تنفيذ البرامج الاقتصادية العشرية، وأن نمضي بالمسيرة دون تعليق البطء على الظروف الدولية الراهنة، وأن لا نعدد المشاجب على أمور صعب التنبؤ بها، وإذا صدقت التوقعات فما يجري على دول الجوار، يجري علينا في الأردن.
وإذا كان رئيس الحكومة يرى أن هناك رؤية سوداوية تنطلق في جنبات الوطن من هذا أو ذاك، أو من هذه الجهة أو تلك، ممن لهم أجندات خاصة، أو وكلاء بتمريرها، فهذا حتما يعني أن الحكومة يجب أن تحسب حسابا لذلك، ولا تتجاهله، وتضع استراتيجيات لقطع الطريق على كل من يتصيد لها أو للوطن في الماء الراكد، أو الأرض العطشى.
يقينا الحكومة اليوم في مناخ أفضل من المناخ الذي عاشته في العامين الماضيين، لأنها اليوم محصنة بالدستور الأردني بعد التعديلات عليه، وقانون الأحزاب الجديد، ومنظومة الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، ويمكن لها أن تتكأ بقوة عليها، وتمضي في مهامها وبرامجها دون النظر إلى الخلف، وتمتثل لتوجيهات الرؤى الملكية السامية التي تنفيذها يعني حالة من الانتعاش والتعافي في مناخ الدولة عموما، بدلا من حالة الإنعاش أو العناية المركزة لتعافي الأداء العام.
الحكومة ليس مطالبة بالكمال، فلا يوجد مسيرة لا تعترضها صعوبات ومعيقات، ولكن يبقى الأمل والتخطيط وحجمه على قدر التحدي، هذا ما يريد المواطن أن يشعر به، فليس شخص الرئيس، أو الطاقم الوزاري، هو العقبة في عقل المواطن الأردني، أو أن هناك تقصّدا أو تصيدا لعثرات الحكومة، أو اقتناص فرصة لرميها بمزيد من النقد، أو الظلامية كتعبير أطلق مؤخرا.
الحكومة اليوم أظنها أكثر بشاشة وأكثر قبولا مما عاشته فترة إدارتها الولاية العامة والتعديلات التي جرت عليها، لأن وجود خمس حقائب وزارية تقود دفتها نساء أردنيات لهن بصمات في مجال عملهن، وخبرات تنبهت الدولة لإمكانية توظيفها في تحسين أداء الحكومة بما يخدم المصلحة الوطنية أكثر مما مضى، يُسجل أنها خطوة ناجحة للأمام، وحضور للإرادة السياسية التي تُحترم، بوصولها لقناعات بإطلاق هذه الطاقات من خلال تواجد المرأة في عمق صناعة القرار السياسي والاقتصادي للدولة، وهذا انقلاب على الموروث السياسي الذي كان يتردد في إتاحة الفرصة للمرأة من الوصول إلى مناصب قيادية في العمل العام، وهو بلا شك في هذه الصورة، انسجام مع الطريق نحو الإصلاح والتحديث السياسي والاقتصادي في الدولة، بدعم وجودها في الأحزاب بنسبة تمثيل قد تقودنا يوم لرؤية رئيس الحكومة الأردنية سيدة من رحم الشعب واثقة وقادرة على إدارة الولاية العامة باقتدار لعدة اعتبارات ليس مجالا للطرح هنا.
الحكومة يريدها الشعب بيت خبرة، تضع أولوية للتخفيف من وطأة الفقر والبطالة، والتي أخذت مأخذها في كل المناطق شمالا وجنوبا، وبات لها تداعيات تؤرق المجتمع الأردني، وتُغير الصورة النمطية التي يتصف بها الإنسان الأردني، هذا عدا عن ثقل العبء الذي تتحمله الدولة ومؤسساتها الأمنية والمجتمعية، والتي تتحمل مسؤوليات كبيرة تجاه ارتفاع نسبة الجريمة، والتعاطي، والانحراف النفسي والسلوكي، وبؤر خطاب الكراهية، والتفشش بأي شيء لمجرد لا شيء، ودون سبب، فقط للتعبير عن رفضه لواقعه المر والمؤلم، والحالة الاجتماعية الصعبة، وهي حقيقة مقلقة للدولة والمجتمع ككل، هذا عدا عن الكلف التي يتحملها قطاع الرعاية الاجتماعية في الدولة، ومبالغ الإنفاق الكبيرة التي تصرفها مراكز الإصلاح والتأهيل في جهاز الأمن الوطني.
وأعتقد أن قطاع التعليم والصحة يحتاجان اهتماما مضاعفا وتجنيد كل الطاقات لخدمة وتقدم هذين القطاعين باعتبارهما من الروافع الحقيقية للنهضة التي ننشدها، والتراجع فيهما يعني تأخرا، وتراجعا في صورة الأردن الذي كان مضرب المثل في كليهما عربيا ودوليا.
ولا أظن قطاع الإعلام الرسمي بأقل أهمية، والذي من الأهمية تفوقه على كل أدوات الاتصال الجماهيري، وكل فضاء الأدوات الرقمية التي تفرض وجودها بقوة أمام إعلام الدولة الذي يُفترض أن يكون شفافا حد المكاشفة، ورصينا قويا متوازنا يتفوق على الأفكار الظلامية الطارئة، أو السوداوية التي توصف بين فترة وأخرى، وعلى إعلام الحكومة الرسمي أن تكون أدواته حاضرة لدحض أو تفنيد أي إشاعة تستهدفها أو تستهدف الأردن، وعليها أن تتبنى سياسة الباب المفتوح للإعلاميين والصحفيين في القطاعين العام والخاص للوقوف على الحقائق، ما دمنا ننتهج سياسة تعرية الفساد المالي والإداري في الدولة، وتعرية أصحاب المصالح الضيقة والمنتفعين من المال العام.
الشعب الأردني يدرك حقيقة أنه لا يمكن لهذه الحكومة أن تخرجه من عنق الزجاجة، أو أن بيدها عصا سحرية لسداد مديونية الدولة التي تقدر بالمليارات وتجاوزت رقما فلكيا بالنسبة لمقدرات وموارد الدولة، هذا عدا عن كلف الدّين المتراكمة عبر سنوات طويلة من عمر الحكومات الأردنية بسبب التعثر في السياسات العامة، والتخبط في التخطيط والاستراتيجيات الآنية، وعدم التقوى في عباءة هذا الوطن، ومن يعيش في ظلاله من مواطنين فوضوا أمرهم لله، لكن هذا الشعب ما زال يتمنى أن تأتي حكومات وتضع في أول أهدافها التخفيف في كل سنة تمر من عمره على الأقل ما مقداره مليار واحد فقط كل عام على الأقل، عملا مخلصا للأجيال القادمة، ليجد الأردن نفسه بعد ربع قرن أو يزيد وقد تعافى من المديونية التي إن استمرت وتيرتها بالارتفاع دون تناقص، ستخنق الاقتصاد الأردني، وتخنق الطموح في المستقبل الآمن والواعد، مع أن الطرق كثيرة ولا تخفى على الحكومات، لأجل اختصار هذه المسافة من القلق، والتخوف من الوصول إلى اقتصاد مرير وضرير، ويخشى الشعب أن نكون من هذا الوضع تحت إملاءات وأجندة لا تخدم الأردن، بل تسعى لدماره وخرابه واستهدافه بطرق شتى.
الحكومة عليها واجب تجاه المواطن بأهمية لفت نظره إلى أدائها، وهو مفتاح التجديد وبناء شراكة حقيقية معه والمراهنة على كسب الثقة باعتباره المحرك الحقيقي للبناء والتطوير والتقدم، لأنه في النهاية أي منجز وطني يقدم أثرا إيجابيا ويُشار له كإنجاز للدولة، فإن المواطن الذي يمثل الشعب الأردني هو بالأساس الحاضن والراعي والمنافح عن منجزات ومقدرات الدولة يصونها ويفنى للحفاظ عليها جيلا بعد جيل، فلا صناعة للقرار، ولا صناعة للسياسة، ولا صناعة للاقتصاد الوطني، دون وطن يعيش لأجله ويفنى شعب منتم ومحب.
حمى الله الأردن والأردنيين،