حوار الطرشان …!

7 فبراير 2017
حوار الطرشان …!

abdulrahman-badran-2016-1-3بحسب إحدى الروايات كان في إحدى القرى أربعة أكرمهم الله عزوجل خلال سنوات عمرهم بفقدان خاصية السمع، الأول راعياً للغنم والثاني جامعاً للثمار والثالث تاجر بضائع والرابع مختار القرية، إختلف ذات يوم الراعي مع جامع الثمار عندما كان يريد إهداءه حملاً، فبينما إعتقد جامع الثمار أنه يتهمه بسرقة الحمل إعتقد الراعي أن الحمل لم يعجبه ويريد شاة كبيرة، وعندها ذهبوا للتاجر الذي فهم أنهم يرغبون ببعض بضائعه فقدم لهم منتجاً جديداً لهم معتقداً أن ذلك يكفي فهو لم يسمع قولهم، وعندما لم يأخذوا المنتج تعجب وإعتقد أنهم لا يقبلون إلا بالمزيد، إختصم الثلاثة لدى المختار وقد كان في مشكلة مع زوجته مقرراً مفارقتها، ليتفاجأ بالثلاثة عند بابه، فصرخ بهم ماذا تريدون؟ قال جامع الثمار: أنا لست بسارق يا مختار، وقال الراعي: هذا غير صحيح، لقد قدمت له حمل صغير فقط ولكنه يريد شاة كبيرة، أما التاجر فصرخ: لقد قدمت لهم أحدث منتجاتي وهم يريدون المزيد، عند ذلك نظر المختار إليهم وهو بالطبع لا يسمع ما يقولون وأجابهم: صعب جداً ما تطلبون، تريدون مني أن أعيدها، وأنا أقول لكم من المستحيل أن أعيش مع زوجتي بعد الآن !

قبل 6 سنوات إشتعلت أحداث الثورة وتمددت أفقياً وعمودياً مثل النار في الهشيم حتى وصلت بسوريا الغالية على قلوبنا إلى الحال التي عليها اليوم، إنطلقت المظاهرات منادية بزوال نظام الظلم والقهر والجبروت رافعة شعار “الشعب السوري واحد” منذ اليوم الأول، واحد بكل مكوناته مهما إختلفت وتنوعت، مادفع الكثيرين للتعاطف مع الثورة وتقديم العون لها بكافة السبل الممكنة، خصوصاً بعد أن قابلها النظام الحاكم بالرصاص والصواريخ والعنف بأقسى وأسوأ معانيه من اليوم الأول، لكن الحقيقة المؤسفة هي أن التعاطف بدأ يتراجع تدريجياً مع مرور الأيام، ليس لأن تلك الأطراف تحولت لمناصرة الظلم على المظلوم، ولكن لأنها بدأت ترى ظلم بعض المظلومين لبعضهم البعض وعدم توحدهم في وجه الظلم بل وإختلاف بعضهم على تعريفه، فخرجت أطراف خرجت خارج مسار الثورة بأكمله وظهر سماسرة الحروب والمتاجرين بدماء الشعب السوري من طرفي النظام والمعارضة على حد سواء.
وليت الأمور توقفت عند الانقسامات في القول، بل إمتدت للتخوين والاتهام بالتآمر والعمالة للطرف الآخر، فكما يعامل النظام كل من يخالفه على أنه إرهابي خائن وتتعامل المعارضة معه بنفس المبدأ، أصبحنا نرى من المعارضة ذاتها من يخون من يخالفه من فصائلها بل ويرفع السلاح في وجههم إن لزم الأمر، وقد كنا قبل مؤتمر الأستانة نمني أنفسنا بالنجاح ولو في وضع حد مؤقت للدمار والقتل في البلاد، بعد أن أصبح الطلاق بين النظام والمعارضة طلاق بائن بينونة كبرى، ما دفع الدول الكبرى نحو خيار حكم ذاتي لمناطق المعارضة في إدلب وغيرها بمسمى “مناطق آمنة” ظهر التشديد عليها واضحاً في تصريحات الدول الكبرى والمؤثرة مؤخراً، فيما يسابق النظام الزمن لدفع كل معارضيه نحو إدلب أكبر مناطق المعارضة وحشرهم هناك ليعملوا على تصفية أنفسهم ثم يأتي دوره بالقضاء على المتبقي منهم، وهو للأسف ما بدأ فور الانتهاء من إجتماعات الأستانة التي يبدو أن الروس لم يختاروا مكانها عبثاً في ثاني أبرد عاصمة في العالم بدرجة حرارة تصل إلى 35 درجة تحت الصفر، لتخرج نتائجها بقساوة برودتها عندما بدأت جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام بمسماها الثاني أو هيئة تحرير الشام بمسماها الجديد جداً بحرب مفتوحة على كل فصائل المعارضة التي تعارض توجهاتها في إدلب بتهمة الخيانة والتآمر عليها لتنقسم المعارضة من جديد أكثر وأكثر.

لا يمكن لنظام حاكم أن يفرح بالنصر طالما كان يقدم القتل والدمار جواباً لمطالب شعبه، كما لا يمكن لمعارضة لم تتوحد إلى اليوم سياسياً وعسكرياً على هدف جمع كل أطياف الشعب “زوال الظلم” بكافة أشكاله وألوانه أن تعرف النصر طالما بقيت على حالها هذا أيضاً، ولن يؤدي هذا إلا لمزيد من سنوات الدم والدمار والضحايا ليصحو بعدها الجميع من غفلتهم ويكتشفوا أن كل مؤتمراتهم ومحادثاتهم سواء بين فصائل المعارضة نفسها أو بين المعارضة والنظام لم تحمل يوماً صفة غير صفة “حوار الطرشان” الذي بدأنا به سطور مقالتنا، في حرب لن تعرف المنتصر أبداً تماماً كما جرى في جارتها الصغرى لبنان في حرب أهلية 15 عاماً طحنت البلاد والعباد وخرج الجميع منها مهزومين.

م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

الاخبار العاجلة