صراحة نيوز – بقلم الباحث القانوني إيليا الربضي
حينما يرتقي الفكر القانوني وتزداد المعرفة القانونية ويخضع الحاكم والمحكوم للقانون ؛ فأننا نرتقي بدولة القانون دولة الحق التي يسمو فيها القانون ولا يُسمى عليه , فيرتقي المواطن بالحس بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية , فنرتقي بالمجتمع جميعنا كشريحة واحدة بأخلاقنا , قيمنا , كرامتنا وسلوكنا ؛ صدقوني نحن جميعًا ابناء لهذه الأرض قبل ان نكون وزراءً أو نوابًا أو أعيانًا أو حتى مواطنين مسحوقين لا نعدو أن نسعى لما هو أبعد من قوت يومنا , لذلك لن نصل لدرجة الحس بالمسؤولية والرُقي في الحياة الاجتماعية والوطنية , إن لم نتجاوز هذه التصرفات والتُرهات الجهوية ؛ فقد باتت الحاجة اليوم اكثر من أي زمن عفى عليه الدهر حاجةً مُلحةً وطنيًا , وسط النخبة الوطنية الأردنية أكثر من سابقاتها في الأزمان , لإعادة قراءة المشهد بعمق أكبر وبتفصيل أدق ؛ -هذا التفصيل لزامًا عليه ان يُراعَى به المواطن المسحوق , تفصيلٌ ينظرُ الى ان المواطن الأردني الفقير على انه جزء من هذا المجتمع وشريحة لا تتجزأ من شرائح وطننا , لا عُملة مُستهلكة وظيفتها ان تدُر على الحكومة عجزها الناتج عن الخصخصة والفساد المترهل وسوء التخطيط المتتابع والممنهج- ؛ “قولًا واحدًا”.
وعلى ذلك وبعد إنتهاء مدة ما يسمى “بالعطوة المئوية” التي تم منحها لحكومة دولة الدكتور عمر الرزاز , والتي أثبتت (الحكومة) بالوجه الشرعي للشارع الأردني انها لا تختلف عن سابقاتها من الحكومات شيئًا في مسألة النهج الجوبوي القائم على الإستقواء على جيب المواطن بهدف تركيع الشعب –قولًا واحدًا- ! , وذلك في سعيها لإختزال الأزمة الإقتصادية التي يمر بها الأردن ؛ وذلك وفقًا لدراسة استطلاعية لأداء الحكومة نفذها “مركز نماء لإستطلاع الرأي” , والتي جاءت نتائجها بأن ثقة الشعب الأردني بالحكومة ورئيسها بدأت بالانهيار . لقد بدأ هذا الإنهيار منذ اللحظة الأولى التي ضربة بها هذه الحكومة قوانين الفيزياء والكيمياء الحيوية عرض الحائط مستغفلة القدرات العقلية والملكات الذهنية التي يمتاز بها الأردنيين عن سائر الشعوب –والإحترام للإنسانية جمعاء- ؛ عند قولها بأنه جزء من “فرق أسعار الوقود والمحروقات” الذي أهلك المواطنين وضربهم في مقتل .. هو نتيجة لتبخرة في الهواء أثناء نقلة ؛ هذا البند الذي تم إدراجه على فاتورة الكهرباء جورًا وطغيانًا دون أدنى وجه حقٍ قانونيٍ أو شرعي له ؛ لا بل على النقيض تمامًا , إذ يعتبر هذا البند المزعوم “بند فرق أسعار المحروقات” في فاتورة الكهرباء ؛ مُخالفًا لقيم دستورية وقانونية عليا ضاربين فيه وبمخالفته ترتيب سُلم التشريع الأردني عرض الحائط ! .
أولًا / المخالفة الصريحة للمواد الدستورية من الدستور الأردني .
عند التدقيق والتمحيص في نصوص الدستور الأردني يتبين لنا كقانونيين ؛ بإن مواده تتطلب أحيانًا إما (صدور القانون) وأحيانًا تكتفي بقولها (ضمن حدود القانون) أو (وفق أحكام القتنون) وأحيانًا أخرى تأتي بالقول (في الأحوال المبينة بالقانون) أو (حسبما هو مبين في القانون) ؛ وإن هذا التنوع لم يتأتى عفوًا أو سهوًا بل جاء مقصودًا , حيث انه يترتب على ذلك انه حينما تتطلب المادة الدستورية القانون في الموضوع المراد بها يمتنع على السلطة التنفيذية تنظيم ما يتعلق بهذا الموضوع “”بنظام”” ؛ -قولًا واحدًا- .
وبالتالي لا يمكن تحت أي عنوانٍ كان فرض ضرائب أو رسوم بصفتها هذه أنظمة , حتى ولو كانت صادرة عن هيئات حكومية مختصة في ذات العلاقة ؛ حيث جاء هذا النص الدستوري واضحًا في هذا الشأن ؛ ونستشهد على ذلك بنص المادة (111) من الدستور الأردني ؛ والتي جاءت بالقول “{لا تفرض ضريبة أو رسوم إلا بقانون…}” ؛ وبالتالي فإن إقدام شركة الكهرباء المساهمة العامة المحدودة أو غيرها من الهيئات على إستحداث أو إدراج (رسم أو ضريبة) بصفتة هذه أنظمة يعتبر مُخالفًا لنص المادة الدستورية مخالفةً صارخة وجسيمة ؛ -قولًأ واحدًا- .
ثانيًا / المخالفة الجسيمة لثلة من مواد القانون المدني الأردني .
إن طبيعة العلاقة القانونية أو العقدية بين المواطن “المشترك” , وشركة الكهرباء الأردنية المساهمة العامة المحدودة , تُعتبر من قبيل عقود الإذعان والتي تضم طرفين هما (الطرف المُذعن “المواطن”) و (الطرف الأقوى “شركة الكهرباء”) .
وبالتالي ؛ وباستقرائنا لطبيعة العلاقة بين شركة لكهرباء المساهمة العامة المحدودة والمُشترك (المواطن) , فإنه يعتد بها من قبيل عقود الإذعان .
وعليه فقد لاحظ المُشرع الأردني بانه في مثل هذا النوع من العقود هناك خروج عن الأصل العام في العقود وهو “تساوي المراكز القانونية” . كما ولاحظ المُشرع أيضًا انه في هذه العقود نوع من عملية الإجبار غير المباشر للطرف المُذعن , مما يؤدي الى خلل في المراكز القانونية .
وعلى ذلك شَرعَ المُشرع الأردني جملة من الوسائل التي من شأنها ان توفر مظلةً وحماية قانونية للطرف الأضعف (المُذعن) .
1) لقد مُنح القاضي سلطة تقديرية “مرنه” في تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية !
ونستشهد على ذلك بنص المادة (204) من القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976 وتعديلاته ؛ والناصة على إنه “{ إذا تم التعاقد عن طريق عقد “الإذعان” وكان قد تضمن شروطًا تعسفية , جاز للمحكمة ان تعدل هذه الشروط أو إن تعفي الطرف المُذعن وفقًا لما تقتضي به العدالة ؛ ويقع باطلًا كل إتفاق على خلاف ذلك}” .
حيث إن المشرع سعى بشكل واضح ومباشر في بيان هذه المادة الى توفير الحماية القانونية “التشريعية” للطرف المُذعن (الأضعف) في عقود الإذعان ؛ والتي ستكون إحدى سنداتنا خلال إدعائنا هذا .
2) تفسير العبارات الغامضة الواردة في عقود الإذعان , دائمًا لمصلحة الطرف المُذعن الذي هو المواطن في قضيتنا هذه .
ونستشهد على ذلك بنص المادة (240) من القانون المدني الأردني رقم (43) لعام 1976 وتعديلاته ؛ والناصة على انه “{يُفسر الشك في مصلحة الطرف المدين (المُذعن , المواطن) ؛ ولا يجوز ان يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضار بمصلحة الطرف المُذعن}” .
في الختام ؛ وإستنادًا على كل ما تقدم من ادلة واقعية وثبوتات قانونية تؤكد وتوضح –وضوح عين الشمس في كبد السماء- بإن إقدام شركة الكهرباء المساهمة العامة المحدودة أو غيرها من الهيئات على فرض إستحقاق “بند فرق اسعار المحروقات” في فاتورة الكهرباء يُعد إنتهاكًا جسيمًا وصارخًا لقيم ومواد قانونية ودستورية نص عليها دستورنا الأردني والقانون المدني الأردني .
وعلى ذلك وإنطلاقًا من مفهوم الديمقراطية ودولة القانون التي نعيش بها في وطننا الأردن الغالي في ظل القيادة الهاشمية الفذه , وبالنظر للوضع المادي والإقتصادي المُتَعصّي والُمهلك الذي يمر به ابناء وطننا , جنبًا الى جنب مع وجود القضاء الأردني المستقل والذي يُضرب المثلُ بنزاهتة وشفافيته من بين قضائات العالم أجمع ؛ فإن تحريك أو رفع دعوى قضائية من قبل المواطن على شركة الكهرباء المساهمة العامة المحدودة امام المحاكم المختصة , يُعتبر حقًا مشروعًا لكل مواطن –قولًا واحدًا- ! .
ولتأخذ العدالة مجراها …
الكاتب والباحث القانوني / إيليا الربضي .
كلية الحقوق / جامعة اليرموك .
جميع الحقوق محفوظة للباحث والناشر .
حيث إن أي انتهاك لهذه الحقوق دون إذن سيعرضك للمسائلة القانونية والقضائية .