صراحة نيوز – سهير جرادات
أثبت الأردن بجدارة أنه ” الطالب المستمع ” ، وذلك بعد موافقته على مشاركه ممثله بأمين عام وزارة المالية لـ( الاستماع ) في ورشة العمل الاقتصادية ،التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية ومملكة البحرين ، والتي ظاهرها أنها تروج لتحسين معيشة الفلسطينيين، وربط تحسين ظروفهم بتنازلهم عن حق العودة، وعن القدس، وباطنها تصفية القضية الفلسطينية ، وفصل غزة عن فلسطين، و(مصرنتها ) عن طريق ربطها بجزيرة سيناء المصرية .
إن قرار المشاركة بـ( الاستماع) يذكرنا بنظام ( الطالب المستمع) ، الذي كان معمولا به ضمن سياستنا التربوية ، حيث كان يسمح لمن عمره أقل من السن القانونية الالتحاق بالمدرسة ، والتسجيل لعام كامل كـ ( طالب مستمع ) ، يجلس مع أولاد الصف بالأول الابتدائي “مستمعا” ، فلا يحق له المشاركة في الدروس، أو التقدم للامتحان ، كونه لم يصل للسن القانونية ، ولا للنضج المطلوب ، وحضوره يندرج تحت اطار سنة تحضيرية استباقية!!..
جاء قرار المشاركة لـ( الاستماع ) لابلاغ الشارع الأردني الثائر- بمحرك محلي ، سمح له رفع وتيرة الصوت – الرافض المشاركة في ورشة المنامة بأن : المشاركة لا تعني القبول بمضامينها ، ولإعطاء متخذ القرار الأردني رغم المشاركة الخجولة شرعية اتخاذ القرار بـ ” تحفظ ” ، إذ إن التمثيل اتخذ جانبا إداريا من خلال أمين عام ، وليس تمثيلا سياسيا، فلو كانت المشاركة على مستوى وزير، لتحملت المشاركة رسالة ” الإكراه” على المشاركة لعدم قدرة الأردن على مواجهة الضغوط الإمريكية، وعدم رغبتنا في افتعال أزمة مع حلفائنا ، وكل ذلك يندرج تحت خطة الامتصاص المسبق للغضب الشعبي لما بعد ورشة البحرين.
والرسالة التي تحملها مشاركتنا الإدارية أيضا، أنها تعطي رسالة إلى منظمي الورشة ، بأن الحضور (الخجول ) جاء لامتصاص غضب الشارع ، خاصة بعد إعلاننا مرارا وتكرارا عن رفضنا للمشاركة ، أو الموافقة على البنود المسربة من صفقة القرن ، وبعد إطلاقنا للاءات الثلاث الشهيرة ، والممثلة بـ “لا للتوطين، لا للوطن البديل، لا للتنازل عن الوصاية في القدس”، التي أصبح مصيرها مجهولا بعد عودتنا من المشاركة في المنامة .
انتهت الورشة ، ذات الحضور العربي الباهت، تزامنا مع تظاهرات شعبية وحزبية محدودة رافضة لها ، دون أي مكاشفات بالخسائر المترتبة على الأردن ، ولا معرفة المكتسبات ( إن وجدت ) بعد مشاركتنا ، وما وراء اختبار الحضور لـ”الاستماع” ، أي لا يسمح له الحديث أو إبداء الرأي أو المشاركة باتخاذ القرارات، إلا أن المبررات الحكومية تذهب نحو التطمينات بأن المشاركة في الورشة لا تعني الموافقة أو تغير المواقف !! ، كما لم يتم مصارحتنا عن مصير المليارات المرصودة للأردن ما بعد الورشة !!..
ماذا بعد ورشة المنامة ؟!!.. هل سيسحب الأردن السيطرة من إسرائيل على الضفة الغربية ؟ أم سيطرح استفتاء للخيار الفلسطيني الذي سيكون على الأرجح لصالح الانضمام لإسرائيل ؟ أو الخيار الثالث، الا وهو ترك الضفة للحركة الإسلامية ، وما يتولد عن ذلك من صراعات بين قوى داخلية ستتيح للكيان الصهيوني الوقت الكافي لتنفيذ الكثير الكثير من المؤامرات في الداخل ، ريثما ينتهون من الصراعات فيما بينهم ، ويكونون قد تخلفوا عن الركب وتأخروا سنوات عديدة.
إن من أهم الدروس، والعبر المستفادة من المشاركة في الورشة ، أنها جاءت وفق رسالة من الشرعية الدولية بضرورة وجودنا داخل اللعبة وليس خارجها ، على الرغم من الإرادة الشعبية الرافضة للمشاركة، إلا أن هناك ضرورة للانصياع للشرعية الدولية مع إظهار عدم الرضا ، وعدم الرغبة في المشاركة ، بحيث تكون المشاركة بـ” تحفظ ” ، وهي بذلك لا تتعدى الاستثمار في الوقت ، وشراء مزيد من الوقت ، ولا تعني القبول .
يبدو أن الامور ستبقى تتأرجح بين تغيير المسميات بين “صفقة القرن”، و”فرصة القرن ” ، وغيرها من المسميات، التي لا تدل سوى على تغير المصطلحات ، مع الابقاء على المضمون ، الذي ما زال مجهولا لدى الشعوب العربية المتضررة ، وخاصة الأردن الذي ما زال في طور دولة لـ”الاستماع”.