صراحة نيوز -بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الدول المتحضرة ، التي يُجرَّم فيها الفساد ، والتعدي على المال العام ، والالتزام بالأنظمة والقوانين بكافة ، وبخاصة التي يترتب عليها أثراً مالياً على موازنة الدولة ، تحرص على إنشاء كل الهيئات الرقابية ، التي تحفظ المال العام ، وتصون هيبة الدولة ، ومنها ديوان المحاسبة الذي نحن بصدد الحديث عنه ، كونه نشر تقريره الرقابي لعام ٢٠١٨ .
يقول احدهم بمقابلة تلفزيونية ، بان هناك أموراً إيجابية في التقرير ، لوجود ( ٤٨ ) جهة حكومية لم يوجه لها استفسارات . ولو أخذنا برأيه الذي يَعتبر ذلك تطوراً ايجابياً ، علينا ان نحصر عدد هذه الجهات التي خضعت للتدقيق حسب تقرير الديوان وهي : (١٢٨) جهة ، يضاف لها (٩٩) بلدية ، و (٢٣) مجلس محلي ، وعليه يكون اجمالي الجهات الحكومية التي تم التدقيق عليها ( ٢٥٠ ) جهة ، لو قسمناها على (٤٨) جهة لم يوجه لها استفسارات ، تكون النتيجة (١٩,٢ ٪ ) ، (سبحان الله على المصادفة حيث ان هذه النسبة تساوي نسبة البطالة المعترف بها حكومياً )، أما هذه النسبة فانها لا تبعث على الاطمئنان ولا على الارتياح ، ولا على الإيجابية التي تطرق لها المسؤول ، لانها تدل على ان (٨٠,٨ ٪ ) من الجهات الحكومية يعيث فيها الفساد والمخالفات والتجاوزات ، كما تعني نسبة ( ١٩,٢٪) ان النتيجة راسب بجدارة ، وتقل عن الصفر الجامعي ، الذي يساوي ( ٣٠ ٪ ) ، والمحزن ان مصدر فخر هذا المسؤول أصبح فضيحة ، وعاراً ، وخزياً .
وأود ان أُذكِّر القراء الكرام بأهمية تقارير ديوان المحاسبة ، التي يرتجف منه كل المسؤولين الأردنيين خوفاً ، أتذكرون تقارير ديوان المحاسبة ، الذي تركنون اليه للرقابة على المال العام للأعوام من ٢٠٠٩ – ٢٠١٥ ، أي تقاريره لستة أعوام متصلة لم يطلع عليها مجلس النواب ، ولم يراجعها في أوقاتها المحددة ، وأنه تمت مراجعتها ، بشكل هزيل ، ومنقوص وبالجملة عام ٢٠١٦ خلال بضع جلسات سطحية الاداء ، في الوقت الذي يُفترض حسب القانون ان يعقد مجلس النواب جلسة خاصة سنوية لمناقشة تقرير ديوان المحاسبة للسنة التي سبقت .
وحتى لا نُسهب ، ونُطيل ، في التفاصيل ، والشرح ، ألم يتم بيع كل مقدرات البلد حتى أصبحت البلاد خاوية من كل إمكاناتها ، ومقدراتها ، ومؤسساتها ، وشركاتها التي بُنيت منذ تأسيس الدولة الاردنية !!؟؟ وعليه أرى ان يُقدَّم كل مدراء ديوان المحاسبة ، خلال العقدين الماضيين الى المحاكمة بتهمة عدم القيام بدورهم الرقابي على المال العام للحفاظ عليه وصيانته من الهدر والسرقة والتجاوز ، لانه إما انهم لم يقوموا بدورهم الرقابي المطلوب ، وهذا يعتبر إهمالاً خطيراً في اداء الواجب الوظيفي ، او انهم عملوا ، وراقبوا ، وكشفوا كل الاختلالات وتستروا عليها ، وبهذه الحالة تتم محاسبتهم على التستر على فاسدين أضاعوا مقدرات البلاد .
الله وحده هو الحسيب والرقيب ، على كل من سرق ، ونهب ، وفسد ، وأفسد ، او حتى تهاون ، او جامل ، او تستر على ضياع كل مقدرات الوطن ، فضاعت معها هيبته . علينا ان نعلم علم اليقين ، الذي لا يقبل الشك ، والجدل ، بان الدولة الاردنية تسارع لتأسيس الهيئات الرقابية بكل تخصصاتها المختلفة إستجابة لطلب الجهات الدولية ، حتى يتم بناءاً عليها الحكم على ان الدولة الاردنية دولة متحضرة تتوافر فيها كل متطلبات الدولة الحديثة ، وفي الواقع كل هذه الهيئات صورية ، ومفرغة من أدوارها الحقيقية ، وهذا كله مرتبط بتدمير كل مقومات الدولة الاردنية ، وقد تحقق ذلك بجدارة مع كل الأسف ، وهنا يحضرني بيت من الشِعر للشاعر اليمني المرحوم كفيف البصر حاد البصيرة عبدالله البردوني ، حيث يقول : فظيعٌ جهلُ ما يجري / وأفظع منه ان تدري .
يا خسارتك يا وطن أصبحت مهزلة ، في وقت كنت فيه تتبوأ أعلى منزلة بين أقرانك من الأقطار العربية . والمأساة ان هذا الانفلات موجود وبهذا الحجم رغم وجود رئيس فريق مكلف بتصويب المخالفات برتبة وزير . كما طمأننا دولته بان الجرائم الواقعة على المال العام لا تسقط بالتقادم ، حسب التعديلات التي تم ادخالها على القانون المعدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد النافذ . وأكد رئيس الوزراء دعم الحكومة المطلق لديوان المحاسبة لتمكينه من القيام بمهامه الرقابية بنزاهة ، وحيادية ، واستقلالية ، للحفاظ على المال العام من الهدر والضياع وسوء الاستخدام والمساهمة في مكافحة جميع أشكال الفساد المالي والإداري ، إذاً بماذا يتم وصف تجاوزات دولته الإدارية بتعيين الأصدقاء والمحاسيب وشراء ذمم بعض النواب بتعيين ابنائهم وأشقائهم بدون وجه حق !؟ والحمد لله انه ليس له أقارب ، من الدرجة الأولى ، بعد وفاة والده مُنيف الرزاز ، وشقيقه مُؤنس ، صاحبي السُمعة العطِرة والأخلاق الحميدة والتاريخ المُشرِّف ، الذي لم يكتسب منه شيئاً .
ما يُحزن ان ديوان المحاسبة يتحقق ، ويتابع ، ويدقق ويستفسر عن وجبة طعام في بلدية الزرقاء بقيمة ( ١٦٥٠ ) ديناراً ، للسفير الياباني الذي سلّم البلدية (٤٠ ) آلية ، وهل تكريم ضيف تبرعت بلده بهذا التبرع السخي فيه تجاوز على المال العام !؟ ياللمهزلة !؟ كما ركز تقرير ديوان المحاسبة على تجاوز مجلس بلدي الرصيفة بمبلغ ( ٥٩٥ ) ديناراً ، وجبات لجلسات مطولة لمناقشة موضوع مكب النفايات !؟ شيءٌ مُخجل ان يضيّع ، ويهمّش دور ديوان المحاسبة على مبالغ تافهه ، والمليارات تسربت من بين يديه دون ان يلتفت ، او يهتم . هذا مع ان الفساد فساد بغض النظر عن القيمة ، متمنياً ان نصل الى ما وصلت اليه دول الغرب ، حيث يعتبر التصرف ولو بدولار واحد فساداً ، لكن أين ديوان المحاسبة من مقدرات الوطن التي تُقدر بعشرات المليارات تم بيعها وتبخرت !!؟؟
اعتقد ان مفهوم الدولة الاردنية وفاسديها ومفسديها لديهم قناعة بانهم عندما يفلتوا من محاسبتهم في الدنيا ، فقد نجوا ، ونجحوا ، لانه في الحقيقة ان الفاسدين لا يعترفون بوجود رب العباد أصلاً ، فكيف يعترفون بوجود آخرة وحساب فيها !!؟؟