صراحة نيوز – بقلم الدكتور محمد ابو حمور
نستطيع اليوم أن نفخر بانجازات الدولة الأردنية وقدرتها على التصدي لتداعيات أزمة كورونا والسير قدماً نحو التعافي، فقد استطعنا وبفضل توجيهات قيادتنا الهاشمية أن نكرس تجربة وطنية مميزة وأن نوفر عوامل النجاح والتفرد لهذه التجربة على المستويين الإقليمي والعالمي، واتضح خلال هذه التجربة قدرة الدولة الأردنية بمختلف أجهزتها المدنية والعسكرية على الاستجابة المبكرة والتعامل بشمولية مع مختلف تداعيات الأزمة عبر أدارة متناسقة ومنسجمة مع المستجدات واستجابة منقطعة النظير وتجاوب فعال من جانب المواطنين مع التوجيهات الرسمية.
كان اجتياح فيروس كورونا، أو ما عُرف بـ»كوفيد– 19»، مفاجئاً لكل دول العالم، وربما هي المرّة الأولى منذ عقود طويلة في التاريخ الحديث التي يجد العالم فيها نفسه أمام جائحة صحيّة، سريعة الانتشار تترك آثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية بشكل مباغت وواضح وقوي على مختلف الدول غنيها وفقيرها، مما تطلب تكاتفاً وتوافقاً داخل كل دولة وتناغماً في عمل المؤسسات والقطاعات كافّة، كما تطلب الأمر أيضاً قرارات حاسمة وحازمة وسريعة في مختلف الاتجاهات، لتأمين الحماية المجتمعية للمواطنين، وحماية الاقتصاد الوطني، وضمان استدامة التنمية وتقليص الأضرار لأدنى حد ممكن.
وقد تنبَّهت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية منذ البداية إلى الآثار التي يمكن أن تتركها هذه الجائحة الصحيّة العالمية، فعمدت من خلال استجابة سريعة لمؤشرات الأزمة إلى إصدار سلسلة من القرارات وأوامر الدفاع التي تحقّق الحماية الصحية، مع عدم اغفال الحماية الاجتماعية ولاسيما على المستوى الاقتصادي والمعيشي من خلال اتخاذ الاجراءات والقرارات التي تكفل تخفيف الآثار السلبية على المنشآت والقطاعات الحيوية والإنتاجية والعاملين فيها، مع مراعاة شروط السلامة الصحية كأولوية سواء على المستوى الوطني العام أو على مستوى الأفراد من مواطنين ومقيمين وضيوف على الأرض الأردنية.
وبالرغم من بعض الانتقادات الا أن ذلك لا يقلل من أهمية القرارات الحكومية في مواجهة هذا الوباء فقد تضافرت الجهود الحكومية بمختلف مؤسساتها وطواقمها ومرتباتها الإدارية والأمنية مع جهود القطاع الخاص، وبالتالي تحقّقت صورة متكاملة من التعاون بين مختلف القطاعات. فالحكومة من جهتها عملت على تخفيض رواتب الفئات العليا مثل رئيس الوزراء والوزراء والأمناء العامين والسماح لمنشات القطاع الخاص بتأجيل دفع بعض الضرائب.كما قامت مؤسسة الضمان الاجتماعي بتقديم ثلاث حزم شملت المشتركين في الضمان الاجتماعي وغير المشتركين شريطة اشتراكهم في بعض التأمينات، وهذا أتاح للمؤسسات الاقتصادية والعاملين فيها خيارات ستكون لها انعكاساتها الإيجابية من خلال الحزم الإضافية التي وفَّرتها المؤسسة لتأمين التدفقات النقدية بمختلف الاتجاهات.
وفي ضوء الرسالة التكاملية لعمل المؤسسات في تأمين الحماية الاجتماعية، قامت وزارة التنمية الاجتماعية بتقديم المساعدات النقدية لالاف الاسر وكذلك تأجيل أقساط المقترضين من صندوق التنمية والتشغيل. وأسهمت إجراءات وقرارات السياسة النقدية التي اتخذها البنك المركزي في تقديم التسهيلات الكبيرة، وكذلك خفض أسعار الفائدة على كثير من القطاعات الاقتصادية، حتى وصلت الفائدة إلى أقل من 2% للمبالغ الكبيرة، فضلاً عن خفض الاحتياطي الإلزامي مما ساهم في ضخ سيولة كبيرة في الجهاز المصرفي، وما قدمه صندوق المعونة الوطنية،وصندوق الزكاة،والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، كل هذا أوجد تكافلاً اجتماعياً سدَّ كثيراً من الثغرات، التي نتجت عن هذه الجائحة الصحيّة التي ضربت العالم من أقصاه إلى أقصاه.
وأود الإشارة هنا أيضاً إلى مبادرة»التضامن والتكافل الإنساني ضد وباء كورونا»، التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ونخبة من العلماء والمفكرين المسلمين من مختلف أنحاء العالم، والتي دعوا فيها إلى البدء في بلورة خطوات عملية لإنشاء مؤسسة عالمية للزكاة والتكافل الإنساني، تجسِّد المسؤولية الإيمانية والإنسانية والأخلاقية المشتركة إزاء سلامة البشرية وكرامة الإنسان والأمان البيئي والأنظمة الحياتية، ومن أبرز ما دعت إليه المبادرة ضمن هذا الإطار تفعيل أبواب الزكاة لمواجهة الفقر والفاقة ومعالجة تداعيات الأزمة المعيشية والاقتصادية نتيجة معاناة الانتشار الوبائي، ومن ذلك دفع الزكاة مقدَّماً لسنة أو لسنتين في سبيلِ توفير سيولة نقدية،يمكن استغلالها في معالجة جيوب الفقر والبطالة ذات النسب المرتفعة أصلاً، والتي تضخّمت بصورة لافتة ويتوقع أن تستمر في الارتفاع في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية.
إنَّ الوعي المجتمعي للمواطن الأردني أيضاً قد أوجد حالة من التكامل من خلال الاستجابة للدعوات والقرارات الحكومية، فتحقَّق في مجتمعنا معنى الهدي النبوي في أن يكون المواطنون كالجسد الواحد، متعاضدين متكاتفين في وجه البطالة والفقر والمرض. ويقتضي التكافل الاجتماعي في مواجهة هذه الأزمة وغيرها من الأزمات تغيير أنماطنا الاستهلاكية والمعيشية، أسوة ببقية المجتمعات التي فرضت عليها هذه الجائحة إعادة النظر في أولوياتها، لنخرج بأقل الخسائر، والتجربة الأردنية في هذا المجال تُعدُّ نموذجاً يُقتدى به.
في هذا السياق لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار ضرورة تنظيم وتنسيق الجهود والمبادرات التي تقدم الدعم للمتضررين من هذه الازمة وذلك تجنباً للازدواجية ولضمان وصول المساعدات لمختلف فئات المجتمع وبالقدر المناسب،وفي هذا الاطار يمكن التنسيق بين الجهات الأهلية والحكومية عن طريق الاستفادة من المزايا التي توفرها التكنولوجيا الرقمية لتشمل الحماية الاجتماعية قطاعات وفئاتٍ وأفراداً بدرجة أكبر وأوسع وأشمل.
فيما يتعلق بالاعباء التي تشكلها خدمة الدين الخارجي فيمكن الإشارة إلى ضرورة تكثيف المفاوضات التي يجريها الأردن مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الدائنة سعياً للحصول على شروط أفضل تتناسب وما يعانيه الاقتصاد العالمي من مصاعب. والآمال كبيرة في أن تقوم الجهات الدولية بجدولة هذه الديون أو شطبها أو مبادلتها، وهذا يقتضي توفُّر جهد أكبر من القائمين على المؤسسات المالية الحكومية في الأردن، علماً بأنَّه وعلى المستوى المحلي قامت مؤسسات الجهاز المصرفي بجدولة الديون وتأخير بعض الاقساط والحكومة بدورها اعربت عن استعدادها لتحمل الفوائد المترتبة على القروض المخصصة لرواتب العاملين، ونظراً لأن 40% من الدين العام هو دين خارجي،علينا في هذه المرحلة السعي مع المؤسسات والدول الدائنة أملاً في التوصل لاجراءات تساهم في هيكلة المديونية الخارجية وتخفيض اعبائها.
وفي هذا السياق لا بد من استمرار التواصل مع الدول الصديقة والشقيقة للحصول على منح تساعد في التصدي للاثار الاقتصادية لهذه الجائحة، خاصة وان التوقعات تشير الى ان الاقتصاد الوطني قد يشهد خلال هذا العام تراجعا في النمو بحوالي 3.5%.
يمكن القول ان مجمل الاجراءات المتخذة في ظل هذه الجائحة ستؤمن تعافي النشاطات الاقتصادية المختلفة ببطء ولكن بثبات فنحن مالياً واقتصادياً نسير بالاتجاه الصحيح،وبالتوازي مع ذلك لا بد من الالتفات الى أننا نعاني أصلاً من مؤشرات مقلقة فيما يتعلق بالعجز والمديونية والبطالة التي وصلت إلى ما يزيد عن 19% وهي نسبة غير مسبوقة،فعندما نرى معدل البطالة لدينا يفوق المعدل العالمي بثلاثة أضعاف فهذا يعني أنا وصلنا إلى مؤشرات مؤرقة، فما بالك في ظل هذه الأزمة وتعطّل العديد من القطاعات بمن فيها عمال المياومة والمهن الحرة. وعلى هذا فنحن بحاجة إلى حلول استثنائية.وقد تنبهت الحكومة وشكلت فريقاً موازياً للفريق الصحي هو الفريق الاقتصادي لمعالجة الآثار الاقتصادية،وتأمين السيولة النقدية في سبيل توفير الظروف التي تمكّن عجلة الاقتصاد من الدوران بشكل ملائم. فضلاً عن أن سياسة البنك المركزي الأردني والبنوك العاملة كانت قائدة ورائدة في تأجيل تسديد الأقساط المستحقة لقروض المؤسسات والشركات والأفراد، وخفض وتأجيل المرابحات والفوائد.فحياة المواطن تقوم على عدد من المرتكزات:الصحة والغذاء والملاذ والأمن، وقد تنبّهت الحكومة لكل هذه القضايا، ومارست دورها بحزم حقق فكرة التكامل الوظيفي بين القطاعات، مما ساعد على تخفيف وطأة هذه الجائحة، واستشراف الخروج منها بأقل الخسائر وفي أسرع وقت.